فصل: الشّرط الثّاني: أن يكون العمل المشترك فيه يمكن استحقاقه بعقد الإجارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


شركة العقد

تعريفها

17 - عرّف الحنفيّة شركة العقد بأنّها‏:‏ عقد بين المتشاركين في الأصل والرّبح‏.‏

كذا نقلوه عن صاحب الجوهرة‏.‏

وقيد ‏"‏ المتشاركين في الأصل ‏"‏ يخرج المضاربة، لأنّ التّشارك فيها بين العامل وربّ المال إنّما هو في الرّبح، دون الأصل، كما هو واضح‏.‏

وعرّف الحنابلة شركة العقد بأنّها‏:‏ اجتماع في تصرّف، وهو مع ذلك لا يشمل المضاربة، الّتي هي عندهم من أقسام الشّركة، وقريب منه تعريف بعض الشّافعيّة بأنّها‏:‏ عقد يثبت به حقّ شائع في شيء لمتعدّد‏.‏

وعرّفها ابن عرفة بقوله‏:‏ بيع مالك كلّ بعضه ببعض كلّ الآخر، موجب صحّة تصرّفهما في الجميع‏.‏

وشركة العقد بأنواعها الثّلاثة - أموال وأعمال ووجوه - جائزة سواء أكانت عناناً أم مفاوضةً‏.‏

دليل مشروعيّة الشّركة

18 - ثبتت مشروعيّة شركة العنان‏:‏ بالكتاب، والسّنّة، والإجماع، والمعقول‏:‏

أ - الكتاب‏:‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ‏}‏‏.‏

والخلطاء هم الشّركاء‏.‏ ولكنّ هذا إلى شركة الملك أدنى‏.‏ ثمّ هو قول داود لبيان شريعته، ولا يلزم استمرارها‏.‏ كذا قال ابن الهمام - على خلاف قاعدة الحنفيّة في شرع من قبلنا‏:‏ فلعلّه تساهل فيه لأنّه علاوة في الرّدّ‏.‏

ب - السّنّة‏:‏

أولاً‏:‏ الحديث القدسيّ المرويّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏» إنّ اللّه يقول‏:‏ أنا ثالث الشّريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما «‏.‏

ثانياً‏:‏ حديث السّائب بن أبي السّائب المخزوميّ، أنّه كان شريك النّبيّ في أوّل الإسلام في التّجارة، فلمّا كان يوم الفتح، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » مرحباً بأخي وشريكي، لا يداري ولا يماري «‏.‏

ثالثاً‏:‏ حديث أبي المنهال عند أحمد‏:‏ » أنّ زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، كانا شريكين، فاشتريا فضّةً بنقد ونسيئة، فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمرهما أنّ ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان بنسيئة فردّوه « وهو بمعناه عند البخاريّ وفي لفظه‏:‏ » ما كان يداً بيد فخذوه وما كان نسيئةً فردّوه «‏.‏

وفيه تقرير صريح‏.‏ وهذا مثل واحد من تقريرات كثيرة لا مرية فيها على الجملة، لأنّ أكثر عمل القوم، في صدر الدّعوة، كان التّجارة والمشاركة فيها، ولذا يقول الكمال‏:‏ إنّ التّعامل بالشّركة من لدن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهلمّ جرّاً، متّصل لا يحتاج فيه إلى إثبات حديث بعينه، وهو قول صاحب الهداية‏:‏ أنّه صلى الله عليه وسلم بعث والنّاس يتعاملون بها فقرّرهم عليها‏.‏

ج - الإجماع‏:‏

فقد كان النّاس وما زالوا، يتعاملون بها في كلّ زمان ومكان، وفقهاء الأمصار شهود، فلا يرتفع صوت بنكير‏.‏

د - المعقول‏:‏

فإنّ شركة العنان طريق من طرق استثمار المال وتنميته، تمسّ إليه حاجة النّاس، قلّت أموالهم أو كثرت، كما هو مشاهد ملموس، حتّى لقد كادت الشّركات التّجاريّة الكبرى، الّتي يستحيل عادةً على تاجر واحد تكوينها، أن تكون طابع هذا العصر الّذي نعيش فيه‏.‏ هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، ليس في تطبيق شركة العنان شيء ينبو بشرعيّتها‏:‏ فما هي في حقيقة الأمر سوى ضرب من الوكالة إذ حلّ شريك وكيل عن شريكه‏.‏

والوكالة لا نزاع في شرعيّتها إذا انفردت، فكانت من واحد لآخر، فكذا إذا تعدّدت، فكانت من كلّ واحد لصاحبه‏:‏ أعني أنّه وجد المقتضي وانتفى المانع - كما يقولون، وإذا كانت تتضمّن وكالةً في مجهول، فهذا شيء يغتفر في ضمن الشّركة، لأنّه تبع لا مقصود، والشّيء يغتفر فيه تبعاً ما لا يغتفر استقلالاً‏.‏

وأمّا المفاوضة من شركة الأموال فليس في جوازها نصّ ثابت وإنّما أجازها الحنفيّة واستدلّوا بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » فاوضوا، فإنّه أعظم للبركة « وهو غير معروف في شيء من كتب الحديث‏.‏

وقد يحتجّ في جوازها بالبراءة الأصليّة‏:‏ فالأصل الجواز، حتّى يقوم دليل المنع - ولا دليل‏.‏

19 - ومنعها الشّافعيّة لتضمّنها الوكالة في مجهول، والكفالة بمجهول لمجهول، وكلاهما باطل على انفراد، فما تضمّنهما معاً أشدّ بطلاناً‏.‏

20 - وأمّا شركتا الأعمال والوجوه فتجوز عند الحنفيّة والحنابلة خلافاً للشّافعيّة، وكذا المالكيّة في شركة الوجوه خاصّةً‏.‏

ويستدلّ للجواز بما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ بالبراءة الأصليّة‏:‏ فالأصل في العقود كلّها الصّحّة، حتّى يقوم دليل الفساد، ولا دليل‏.‏ ثانياً‏:‏ أنّ الحاجة داعية إليهما، وتصحيحهما ممكن بطريق التّوكيل الضّمنيّ من كلّ شريك لشريكه، ليقع تصرّف كلّ واحد والرّبح المترتّب عليه للجميع، فلا معنى للحكم ببطلانهما‏.‏ وأمّا عند الشّافعيّة فإنّ شركة الأعمال وشركة الوجوه، باطلتان لعدم المال المشترك فيهما وللغرر في شركة الأعمال‏.‏

وذهب المالكيّة إلى بطلان شركة الوجوه لأنّها من باب الضّمان بجعل ومن باب السّلف الّذي يجرّ نفعاً وسمّوها شركة الذّمم‏.‏

تقسيم شركة العقد باعتبار محلّها

21 - تنقسم الشّركة بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام‏:‏

أ - شركة أموال‏.‏

ب - شركة أعمال‏.‏

ج - شركة وجوه‏.‏

ذلك أنّه إذا كان رأس مال الشّركة نقوداً، كانت شركة أموال، وإن كان العمل للغير كانت شركة أعمال - شركة صنائع - وتسمّى أيضاً شركة أبدان‏.‏

وتسمّى كذلك شركة التّقبّل‏:‏ لأنّ التّقبّل قد يكون ممّن لا يقدر على القيام بأيّ عمل للغير سوى التّقبّل نفسه، ومع ذلك تحصل به هذه الشّركة، لأنّه ملزم لشريكه القادر، فهما شريكان بالتّقبّل‏.‏

أمّا إذا كان ما تقوم الشّركة عليه ما للشّريكين أو للشّركاء من وجاهة عند النّاس ومنزلة تصلح للاستغلال، فالشّركة شركة وجوه‏.‏ ولعدم رأس المال فيها، وغلبة وقوعها بين المعدمين تسمّى‏:‏ شركة المفاليس‏.‏

هذا على الإجمال‏.‏ أمّا التّفصيل‏:‏

22 - فشركة الأموال‏:‏ عقد بين اثنين فأكثر، على أن يتّجروا في رأس مال لهم، ويكون الرّبح بينهم بنسبة معلومة‏.‏ سواء علم مقدار رأس المال عند العقد أم لا، لأنّه يعلم عند الشّراء، وسواء شرطوا أن يشركوا جميعاً في كلّ شراء وبيع، أم شرطوا أن ينفرد كلّ واحد بصفقاته، أم أطلقوا‏.‏ وليس حتماً أن يقع العقد بلفظ التّجارة، بل يكفي معناها‏:‏ كأن يقول الشّريكان‏:‏ اشتركنا في مالنا هذا، على أن نشتري ونبيع، ونقسم الرّبح مناصفةً‏.‏

23 - وأمّا شركة الأعمال‏:‏ فهي‏:‏ أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يتقبّلوا نوعاً معيّناً من العمل أو أكثر أو غير معيّن لكنّه عامّ، وأن تكون الأجرة بينهم بنسبة معلومة، وذلك كالخياطة، والصّباغة، والبناء، وتركيب الأدوات الصّحّيّة أو كلّ ما يتقبّل، فلا بدّ من التّعاقد قبل التّقبّل فلو تقبّل ثلاثة أشخاص عملاً، دون تعاقد سابق على الشّركة، لم يكونوا شركاء‏:‏ وعلى كلّ منهم ثلث العمل، فإن قام بالعمل كلّه أحدهم كان متبرّعاً بما زاد على الثّلث، فلا يستحقّ - قضاءً - سوى ثلث الأجرة‏.‏

ولا بدّ أيضاً أن يكون التّقبّل حقّاً لكلّ شريك وإن وقع الاتّفاق على أن يباشره منهم واحد بعينه، ويعمل الآخر‏.‏ ولذا يقول السّرخسيّ في المحيط‏:‏ لو قال صاحب الدّكّان أنا أتقبّل، ولا تتقبّل أنت، وأطرح عليك تعمل بالنّصف، لا يجوز‏.‏

ومن هنا يقول ابن عابدين‏:‏ الشّرط عدم نفي التّقبّل عن أحدهما، لا التّنصيص على تقبّل كلّ منهما، ولا على عملهما، لأنّه إذا اشتركا على أن يتقبّل أحدهما ويعمل الآخر، بلا نفي، كان لكلّ منهما التّقبّل والعمل، لتضمّن الشّركة الوكالة‏.‏ هذا قول الحنفيّة، ومثله في الجملة للحنابلة، لكنّهم أضافوا الاشتراك في تملّك المباحات‏.‏

وقد نصّ الحنفيّة على أنّ شركة الأبدان نوعان‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ شركة مقيّدة ببعض الأعمال، دون بعض، كنجارة، أو حدادة، اتّفق العملان أم اختلفا‏.‏

والنّوع الثّاني‏:‏ شركة مطلقة، لم تقيّد بذلك‏:‏ كأن يتّفقا على الاشتراك في أجرة ما يعملانه من أيّ نوع‏.‏

24 - وأمّا شركة الوجوه‏:‏ فهي أن يتعاقد اثنان فأكثر، بدون ذكر رأس مال، على أن يشتريا نسيئةً ويبيعا نقداً، ويقتسما الرّبح بينهما بنسبة ضمانهما للثّمن‏.‏ وكذلك هي عند القاضي، وابن عقيل من الحنابلة، إذ جعلا الرّبح فيها على قدر الملك، لئلاّ يلزم ربح ما لم يضمن‏.‏

ولكنّ جماهيرهم جعلوا الرّبح فيها على ما تشارط الشّريكان، كشركة العنان‏:‏ لأنّ فيها مثلها عملاً وغيره، سيّما مع ملاحظة تفاوت الشّريكين في المهارة التّجاريّة، والوجاهة عند النّاس‏.‏ بل نظر ابن قدامة إلى مآل أمرها، فأنكر خلوّها من المال‏.‏

25 - وأمّا المضاربة‏:‏ فسيأتي تعريفها وأحكامها في بحثها الخاصّ بها إن شاء اللّه‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ مضاربة‏)‏‏.‏

تقسيم شركة العقد باعتبار التّساوي والتّفاوت

26 - والمراد التّساوي والتّفاوت في أمور خمسة‏:‏

أ - رأس مال الشّركة‏:‏ الشّامل لكلّ مال للشّريكين صالح للشّركة ‏"‏ نقود ‏"‏‏.‏

ب - كلّ تصرّف تجاريّ في رأس مال الشّركة‏.‏

ج - الرّبح‏.‏

د - كفالة ما يلزم كلاً من الشّريكين من دين التّجارة‏.‏

هـ - أهليّة التّصرّف‏.‏

وتنقسم شركة العقد بهذا الاعتبار إلى قسمين‏:‏

أ - شركة مفاوضة‏.‏

ب - شركة عنان‏.‏

27 - وشركة المفاوضة عند الحنفيّة هي‏:‏ الّتي يتوافر فيها تساوي الشّركاء في هذه الأمور الخمسة، من ابتداء الشّركة إلى انتهائها، لأنّ شركة المفاوضة من العقود الجائزة من الطّرفين، لكلّ منهما فسخها متى شاء، فأعطي دوامها حكم ابتدائها، وشرطت فيه المساواة أيضاً‏.‏ وسيأتي في الشّرائط شرح هذه الأمور الخمسة في بيان واف إن شاء اللّه‏.‏

وشركة العنان - بكسر العين وفتحها - هي الّتي لا يوجد فيها هذا التّساوي‏:‏ بأن لم يوجد أصلاً، أو وجد عند العقد وزال بعده‏:‏ كأن كان المالان متساويين عند العقد ثمّ ارتفعت قيمة أحدهما قبل الشّراء، فإنّ الشّركة تنقلب عناناً بمجرّد ‏[‏ هذا الارتفاع ‏]‏، وهل تبطل الكفالة‏؟‏‏.‏‏.‏ الظّاهر نعم، لأنّها كفالة لمجهول، فلا تصحّ إلاّ ضمناً، والعنان لا تتضمّن الكفالة، فتكون فيها مقصودةً وهي مقصودة لا تصحّ لمجهول، لكنّ الّذي في الخانيّة هو الصّحّة، ولعلّ وجهه أنّها في الشّركة تبع على كلّ حال، ولو صرّح بها‏.‏

ولم يشترط المالكيّة المساواة في هذه الأمور الخمسة لصحّة المفاوضة‏.‏ بل كلّ ما عندهم من الفرق بين طبيعتي شركة المفاوضة وشركة العنان، أنّ كلاً من الشّريكين في شركة المفاوضة يطلق التّصرّف لشريكه ولا يحوجه إلى مراجعته وأخذ موافقته في كلّ تصرّف من تصرّفاته للشّركة، بخلاف العنان، فإنّها لا بدّ فيها من ذلك‏.‏

أمّا الحنابلة فللمفاوضة عندهم معنيان‏:‏

أحدهما‏:‏ الشّركات الأربع مجتمعةً‏:‏ العنان، والمضاربة، والأبدان، والوجوه‏:‏ فإذا فوّض كلّ من الشّريكين لصاحبه المضاربة وتصرّفات سائر هذه الشّركات صحّت الشّركة، لأنّها مجموع شركات صحيحة، ويكون الرّبح على ما شرطاه، والخسارة بقدر المالين‏.‏

ثانيهما‏:‏ أن يشترك اثنان فصاعداً في كلّ ما يثبت لهما وعليهما‏.‏ وهذا صحيح أيضاً لكن بشريطة أن لا يدخلا فيه كسباً نادراً ولا غرامةً، وإلاّ اختصّ كلّ شريك بما يستفيده من مال نفسه أو عمله، وبما يلزمه من ضمانات فكلّ نفس ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

مثال الكسب النّادر‏:‏ اللّقطة والرّكاز والميراث‏.‏

ومثال الغرامات‏:‏ ما يلزم بكفالة، أو غصب، أو جناية، أو تلف عاريّة‏.‏

وهذا النّوع لم يشترط فيه الحنابلة تساوي المالين، ولا تساوي الشّريكين في أهليّة التّصرّف‏.‏

تقسيم شركة العقد باعتبار العموم والخصوص

28 - يقسم الحنفيّة الشّركة بهذا الاعتبار إلى‏:‏

أ - مطلقة‏.‏

ب - مقيّدة‏.‏

فالمطلقة‏:‏ هي الّتي لم تقيّد بشرط جعليّ أملته إرادة شريك أو أكثر‏:‏ بأن تقيّد بشيء من المتاجر دون شيء، ولا زمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، ولا ببعض الأشخاص دون بعض إلخ كأن اشترك الشّريكان في كلّ أنواع التّجارة وأطلقا فلم يتعرّضا لأكثر من هذا الإطلاق بشقّيه‏:‏ الزّمانيّ وغيره يكون في شركة العنان‏.‏ أمّا في شركة المفاوضة فلا بدّ من الإطلاق في جميع أنواع التّجارات، كما هو صريح الهداية، وإن كان في البحر الرّائق أنّها قد تكون مقيّدةً بنوع من أنواع التّجارات‏.‏ والإطلاق الزّمانيّ احتمال من احتمالاتها، وليس بحتم‏.‏

والمقيّدة‏:‏ هي الّتي قيّدت بذلك‏:‏ كالّتي تقيّد ببعض الأشياء أو الأزمان أو الأمكنة، كأن تقيّد بالحبوب أو المنسوجات أو السّيّارات أو البقالات، أو تقيّد بموسم قطن هذا العام، أو ببلاد هذه المحافظة‏.‏ والتّقييد ببعض المتاجر دون بعض، لا يتأتّى في شركة المفاوضة، أمّا التّقييد ببعض الأوقات دون بعض فيكون فيها وفي العنان‏.‏

وتنوّع الشّركة إلى مطلقة ومقيّدة، بما فيها المقيّدة بالزّمان، يوجد في سائر المذاهب الفقهيّة، وممّا ينصّ عليه الشّافعيّة، أنّه يجوز تقييد تصرّف أحد الشّريكين، وإطلاق تصرّف الآخر‏.‏ إلاّ أنّه حكي عن بعض أهل الفقه أنّه لا بدّ أن يعيّن لكلّ شريك نطاق تصرّفه، ويحتمل كلام بعض المالكيّة إبطال الشّركة بالتّأقيت، وإن كان الظّاهر عندهم أيضاً صحّة الشّركة مع عدم لزوم الأجل‏.‏

شركة الجبر

29 - هذا نوع انفرد المالكيّة بإثباته، وتمسّكوا فيه بقضاء عمر‏.‏

وحدّها بعضهم بأنّها‏:‏ استحقاق شخص الدّخول مع مشتري سلعة لنفسه من سوقها المعدّ لها، على وجه مخصوص‏.‏

وسيتّضح باستعراض شرائطها‏:‏

فقد ذكروا لها سبع شرائط‏:‏

ثلاثةً خاصّةً بالسّلعة وهي‏:‏

أ - أن تشترى بسوقها المعدّ لبيعها، لا بدار اتّفاقاً، ولا بزقاق، نافذ أو غير نافذ، على المعتمد‏.‏

ب - أن يكون شراؤها للتّجارة، ويصدّق المشتري في نفي ذلك بيمينه، إلاّ أن تكذّبه قرائن الأحوال‏:‏ ككثرة ما يدّعي شراءه للقنية أو العرس مثلاً‏.‏

ج - أن تكون التّجارة المقصودة بالشّراء في نفس بلد الشّراء، لا في مكان آخر، ولو جدّ قريب‏.‏

وثلاثةً خاصّةً بالشّريك المقحم‏:‏

أ - أن يحضر الشّراء‏.‏

ب - أن لا يزايد على المشتري‏.‏

ج - أن يكون من تجّار السّلعة المشتراة‏.‏

واعتمدوا أنّه لا يشترط أن يكون من تجّار هذا السّوق‏.‏

وشريطةً واحدةً في الشّاري‏:‏ أن لا يبيّن لمن حضر من التّجّار أنّه يريد الاستئثار بالسّلعة، ولا يقبل الشّركة فيها، فمن شاء أن يزايد فليفعل‏.‏

فإذا توافرت هذه الشّرائط جميعها ثبت حقّ الإجبار على الشّركة لمن حضر من التّجّار، مهما طال الأمد، ما دامت السّلعة المشتراة باقيةً‏.‏

ويسجن الشّاري حتّى يقبل الشّركة إذا امتنع منها‏.‏ وهناك احتمال آخر بسقوط هذا الحقّ بمضيّ سنة كالشّفعة‏.‏

أمّا الشّاري، فليس له مع توافر الشّرائط إجبار من حضر من التّجّار على مشاركته في السّلعة لسبب ما - كتحقّق الخسارة أو توقّعها - إلاّ إذا قالوا له أثناء السّوم‏:‏ أشركنا، فأجاب‏:‏ بنعم أو سكت‏.‏

والمتبادر من كلامهم تنزيل قول التّجّار‏:‏ أشركنا - مع إجابة بنعم - منزلة حضورهم الشّراء‏:‏ فلا يضير إذن انصرافهم قبل إتمام الصّفقة‏.‏ بخلاف ما إذا خرج بالصّمت عن ‏"‏ لا ونعم ‏"‏ إلاّ أنّ من حقّهم حينئذ أن يحلّفوه‏:‏ ما اشترى عليهم‏.‏

صيغة عقد الشّركة

30 - تنعقد الشّركة بالإيجاب والقبول‏:‏

مثال ذلك في شركة العنان في الأموال‏:‏ أن يقول شخص لآخر‏:‏ شاركتك في ألف دينار مناصفةً، على أن نتّجر بها ويكون الرّبح بيننا مناصفةً كذلك‏:‏ ويطلق، أو يقيّد الاتّجار بنوع من أنواع التّجارة، كتجارة المنسوجات الصّوفيّة، أو المنسوجات مطلقاً، فيقبل الآخر‏.‏

ومثاله في شركة المفاوضة في الأموال‏:‏ أن يقول شخص لآخر - وهما حرّان بالغان مسلمان أو ذمّيّان - شاركتك في كلّ نقودي ونقدك - ونقود هذا تساوي نقود ذاك - على أن نتّجر بها في جميع أنواع التّجارة، وكلّ واحد منّا كفيل عن الآخر بديون التّجارة، فيقبل الآخر‏.‏

31 - وتقوم دلالة الفعل مقام دلالة اللّفظ‏.‏ فلو أنّ شخصاً ما أخرج جميع ما يملك من نقد، وقال لآخر‏:‏ أخرج مثل هذا واشتر، وما رزق اللّه من ربح فهو بيننا على التّساوي أو لك فيه الثّلثان ولي الثّلث، فلم يتكلّم الآخر، ولكنّه أخذ وأعطى وفعل كما أشار صاحبه، فهذه شركة عنان صحيحة‏.‏

ومثل ذلك يجيء أيضاً في شركة المفاوضة‏:‏ كأن يخرج هذا كلّ ما يملك من النّقود، ويقول لصاحبه الّذي لا يملك من النّقود إلاّ مثل هذا القدر‏:‏ أخرج مثل هذا، على أن نتّجر بمجموع المالين في جميع أنواع التّجارات، والرّبح بيننا على سواء، وكلّ واحد منّا كفيل عن الآخر بديون التّجارة، فلا يتكلّم صاحبه هذا، وإنّما يفعل مثل ما أشار‏.‏ هذا مذهب الحنفيّة‏.‏

32 - والاكتفاء بدلالة الفعل، هو أيضاً مذهب المالكيّة والحنابلة‏.‏ إذ هم لا يعتبرون في الصّيغة هنا إلاّ ما يدلّ على الإذن عرفاً، ولو لم يكن من قبيل الألفاظ أو ما يجري مجراها، كالكتابة وإشارة الأخرس المفهمة‏.‏

ولذا ينصّ المالكيّة على أنّه لو قال أحد اثنين للآخر‏:‏ شاركني، فرضي بالسّكوت، كفى، وأنّه يكفي خلط المالين، أو الشّروع في أعمال التّجارة للشّركة‏.‏

كما ينصّ الحنابلة على أنّه يكفي أن يتكلّما في الشّركة، ثمّ يحضرا المال عن قرب، ويشرعا في العمل‏.‏

وعند الشّافعيّة لا تغني دلالة الفعل عن اللّفظ أو ما في معناه، لأنّ الأصل حفظ الأموال على أربابها، فلا ينتقل عنه إلاّ بدلالة لها فضل قوّة، حتّى لقد ضعّف الشّافعيّة وجهاً عندهم بانعقاد الشّركة بلفظ‏:‏ ‏"‏ اشتركنا ‏"‏ لدلالته عرفاً على الإذن في التّصرّف، ورأوا أن لا كفاية فيه حتّى يقترن بالإذن في التّصرّف من الجانبين، لاحتمال أن يكون إخباراً عن شركة ماضية، أو عن شركة ملك قائمة لا تصرّف فيها‏.‏ وهم يصحّحون انعقادها شركة عنان بلفظ المفاوضة، إذا اقترن بنيّة العنان، وإلاّ فلغو، إذ لا مفاوضة عندهم‏:‏ وغاية ما يصلح له لفظها عندهم أن يكون كناية عنان، بناءً على صحّة العقود بالكنايات‏.‏

33 - ومثال شركة المفاوضة في التّقبّل‏:‏ أن يقول شخص لآخر - وكلاهما من أهل الكفالة - شاركتك في تقبّل جميع الأعمال، أو في هذه الحرفة - خياطةً، أو نجارةً، أو حدادةً، مثلاً - على أن يتقبّل كلّ منّا الأعمال، وأن أكون أنا وأنت سواءً في ضمان العمل وفي الرّبح والخسران، وفي أنّ كلاً كفيل عن الآخر فيما يلزمه بسبب الشّركة، فيقبل الآخر‏.‏ فإذا وقع التّعاقد مع اختلال قيد ممّا ورد في هذه الصّيغة، فالشّركة شركة عنان، إلاّ أنّه لا بدّ أن يكون الشّريكان من أهل الوكالة كما لا يخفى‏.‏

34 - ومثال شركة المفاوضة في الوجوه‏:‏ أن يقول شخص لآخر - وكلاهما من أهل الكفالة - شاركتك على أن نتّجر أنا وأنت بالشّراء نسيئةً والبيع نقداً، مع التّساوي في كلّ شيء نشتريه وفي ثمنه وربحه، وكفالة كلّ ما يلزم الآخر من ديون التّجارة وما يجري مجراها، فيقبل الآخر‏.‏ وإذا اختلّ شيء ممّا ورد في هذه الصّيغة من قيود، فالشّركة شركة عنان، إلاّ أنّه لا بدّ فيها على كلّ حال من أن يكون الشّريكان من أهل الوكالة، وأن يكون الرّبح بينهما بنسبة ضمانهما الثّمن، كما سيجيء في الشّرائط بيانه‏.‏

وإن قال أحدهما لصاحبه فاوضتك فقبل كفى، لأنّ لفظها علم على تمام المساواة في أمر الشّركة، فإذا ذكراه تثبت أحكامها إقامةً للّفظ مقام المعنى‏.‏

شروط شركة العقد

الشّروط العامّة

35 - وهي تلك الّتي لا تخصّ نوعاً دون نوع من أنواع الشّركة الرّئيسيّة الثّلاثة ‏"‏ شركة الأموال، وشركة الأعمال، وشركة الوجوه ‏"‏‏.‏

وهذه الشّروط العامّة تتنوّع أنواعاً‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ في كلّ من شركتي المفاوضة والعنان

أوّلاً‏:‏ قابليّة الوكالة‏:‏

36 - ويمكن تفسيرها بأمرين‏:‏

أ - قابليّة التّصرّف المتعاقد عليه للوكالة، ليتحقّق مقصود الشّركة، وهو الاشتراك في الرّبح، لأنّ سبيل ذلك أن يكون كلّ واحد من الشّريكين وكيلاً عن صاحبه في نصف ما تصرّف فيه، وأصيلاً في نصفه الآخر، وإلاّ فالأصيل في الكلّ يختصّ بكلّ ربحه، والمتصرّف عن الغير لا يتصرّف إلاّ بولاية أو وكالة، والفرض أن لا ولاية، فلم يبق إلاّ الوكالة‏.‏

فالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والتّكدّي، أعمال لا تصحّ الشّركة فيها، لعدم قبولها الوكالة، إذ الملك فيها يقع لمن باشر السّبب - وهو الآخذ - شأن المباحات كلّها، فقد جعل الشّارع سبب الملك فيها هو سبق اليد‏.‏

ب - أهليّة كلّ شريك للتّوكيل والتّوكّل، لأنّه وكيل في أحد النّصفين، أصيل في الآخر، فلا تصحّ الشّركة من الصّبيّ غير المأذون في التّجارة، والمعتوه الّذي لا يعقل‏.‏

37 - وهذا الشّرط بشقّيه موضع وفاق‏.‏ لأنّ الجميع مطبقون على أنّ الشّركة تتضمّن الوكالة‏.‏ ولكنّ الخلاف يقع في طريق التّطبيق‏:‏ فمثلاً‏:‏

أ - المباحات‏:‏ لا يراها الحنفيّة ممّا يقبل الوكالة، بينما هي عند غيرهم ممّا يقبلها‏.‏

ولذا مثّل المالكيّة لشركة الأبدان بشركة الصّيّادين في الصّيد، والحفّارين في البحث عن المعادن، كشركات النّفط القائمة الآن، وأبرز الحنابلة الشّركة في تحصيل المباحات، حتّى جعلوها نوعاً متميّزاً من شركة الأعمال‏.‏

ب - شركة وليّ المحجور‏:‏ وينصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ لوليّ المحجور الشّركة في مال محجوره، لأنّه يجوز له أن يضارب بهذا المال، مع أنّ المضارب يذهب بجزء من نمائه، فأولى أن تجوز الشّركة حيث يكون ربحه كلّه موفّراً عليه‏.‏

ومن هذا القبيل تقريرهم أنّه إذا مات أحد الشّريكين، وورثه محجور عليه، فإنّه يجب على وليّه أن يستمرّ في الشّركة إذا رأى المصلحة في ذلك، ومن شريطتها أن يكون الشّريك المتصرّف أمينا|ً، فلو تبيّن عدم هذه الأمانة، وضاع المال، كان الضّمان على الوليّ، لتقصيره بعدم البحث‏.‏

ثمّ لا يخفى أنّ اعتبار الأهليّتين‏:‏ أهليّة التّوكيل، وأهليّة التّوكّل، إنّما هو حيث يكون العمل لكلا الشّريكين‏.‏ أمّا إذا كان لأحدهما فحسب - وذلك عند الحنفيّة لا يكون إلاّ في شركة العنان - فالشّريطة هي أهليّة الآذن للتّوكيل، وأهليّة المأذون للتّوكّل‏.‏

ولذا ينصّ الشّافعيّة على أنّه في هذه الحالة، يصحّ أن يكون الآذن أعمى، وإن كان لا بدّ أن يوكّل في خلط المالين، أمّا المأذون فلا بدّ أن يكون بصيراً‏.‏

ثانياً‏:‏ أن يكون الرّبح معلوماً بالنّسبة‏:‏

38 - أي أن تكون حصّة كلّ شريك من الرّبح محدّدةً بجزء شائع منه معلوم النّسبة إلى جملته‏:‏ كنصفه‏.‏

فإذا تمّ العقد على أن يكون للشّريك حصّة في الرّبح من غير بيان مقدار، كان عقداً فاسداً، لأنّ الرّبح هو مقصود الشّركة فتفسد بجهالته، كالعوض والمعوّض في البيع والإجارة‏.‏

وكذلك إذا علم مقدار حصّة الشّريك في الرّبح، ولكن جهلت نسبتها إلى جملته‏:‏ كمائة أو أكثر أو أقلّ، لأنّ هذا قد يؤدّي إلى خلاف مقتضى العقد - أعني الاشتراك في الرّبح - فقد لا يحصل منه إلاّ ما جعل لأحد الشّركاء، فيقع ملكاً خاصّاً لواحد، لا شركة فيه لسواه‏.‏

بل قالوا إنّ هذا يقطع الشّركة لأنّ المشروط إذا كان هو كلّ المتحصّل من الرّبح، تحوّلت الشّركة إلى قرض ممّن لم يصب شيئاً من الرّبح، أو إبضاع من الآخر‏.‏

فإذا جعل للشّريك أجر معلوم المقدار من خارج مال الشّركة‏:‏ كخمسين أو مائة دينار كلّ شهر، فقد نقلوا في الهنديّة عن المحيط أنّ الشّركة صحيحة، والشّرط باطل‏.‏

39 - وهذا الشّرط موضع وفاق‏.‏ وقد حكى ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن لا شركة مع اشتراط مقدار معيّن من الرّبح - كمائة - لأحد الشّريكين سواء اقتصر على اشتراط هذا المقدار المعيّن لأحدهما، أم جعل زيادةً على النّسبة المشروطة له من الرّبح، أم انتقص من هذه النّسبة، لأنّ ذلك في الأحوال كلّها قد يفضي إلى اختصاص أحدهما بالرّبح، وهو خلاف موضوع الشّركة، أو - كما عبّر الحنفيّة - قاطع لها‏.‏

ومن هذا القبيل، ما لو شرط لأحدهما ربح عين معيّنة أو مبهمة من أعيان الشّركة - كهذا الثّوب أو أحد هذين الثّوبين - أو ربح سفرة كذلك - كهذه السّفرة إلى باريس، أو هي أو الّتي تليها إلى لندن - أو ربح هذا الشّهر أو هذه السّنة‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّ من هذا القبيل أيضاً، أن يقول أحد الشّريكين للآخر‏:‏ لك ربح النّصف، لأنّه يؤدّي إلى أن يستأثر واحد بشيء من الرّبح، زاعماً أنّه من عمله في النّصف الآخر‏.‏ خلافاً لمن ذهب إلى أنّ ربح النّصف هو نصف الرّبح‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ في شركة المفاوضة خاصّةً

فتنعقد عناناً إذا اختلّ شرط منه‏:‏

أوّلاً‏:‏ أهليّة الكفالة‏:‏

40 - وهذا شرط الحنفيّة في كلّ من الشّريكين، لأنّ كلّ واحد منهما بمنزلة الكفيل عن صاحبه فيما يجب من دين التّجارة أو ما يجري مجراها، كالاقتراض إذ كلّ ما يلزم أحدهما من هذا القبيل يلزم الآخر‏.‏

فمن لم تتوافر فيه شروط هذه الأهليّة - من بلوغ وعقل - لم تصحّ منه شركة المفاوضة، ولو فعلها الصّغير بإذن وليّه، لأنّ المانع ذاتيّ، إذ هو ليس من أهل التّبرّعات ولأنّ الكفالة المقصودة هنا هي كفالة كلّ شريك جميع ما يلزم الآخر من الدّيون الآنفة الذّكر‏.‏

ومن هنا يمنع محمّد شركة المفاوضة من المريض مرض الموت، ومن في معناه - كالمرتدّ - لأنّ كفالته إنّما تكون في حدود ثلث تركته، والكفالة في شركة المفاوضة غير محدودة‏.‏

وأمّا الّذين وافقوا الحنفيّة في أصل القول بشركة المفاوضة، وخالفوهم في التّفصيل - وهم المالكيّة والحنابلة - فلم يبنوها على الكفالة، واكتفوا بما فيها من معنى الوكالة‏:‏ فليس على الشّريك فيها عندهم ضمان غرامات لزمت شريكه دون أن يأذن هو في أسبابها‏.‏

ثانياً‏:‏ يشترط أبو حنيفة ومحمّد التّساوي في أهليّة التّصرّف‏:‏

41 - فتصحّ بين الحرّين الكبيرين، اللّذين يعتنقان ديناً واحداً - كمسلمين ونصرانيّين - أو ما هو في حكم الدّين الواحد - كذمّيّين، ولو كان أحدهما كتابيّاً والآخر مجوسيّاً، إذ الكفر كلّه ملّة واحدة‏.‏ ولا تصحّ شركة المفاوضة بين حرّ ومملوك، ولو مكاتباً أو مأذوناً في التّجارة، ولا بين بالغ وصبيّ، ولا بين مسلم وكافر، لاختلال هذه الشّريطة، إذ المملوك والصّبيّ محجور عليهما، بخلاف الحرّ البالغ، والكافر يسعه أن يشتري الخمر والخنزير ويبيعها، ولا كذلك المسلم‏.‏

أمّا أبو يوسف فيكتفي بالتّساوي في أهليّة الوكالة والكفالة، ولا يعتدّ بتفاوت الأهليّة فيما عداهما، ولذا فهو يصحّح شركة المفاوضة بين المسلم والذّمّيّ، قياساً على المفاوضة بين الكتابيّ والمجوسيّ، فإنّها تصحّ برغم التّفاوت في أهليّة التّصرّف، بعد التّساوي في أهليّة الوكالة والكفالة، ولا يرى أبو يوسف فرقاً، إلاّ من حيث الكراهة، فإنّه يكره الشّركة بين المسلم والكافر، لأنّ الكافر لا يهتدي إلى وجوه التّصرّفات المشروعة في الإسلام، وإن اهتدى فإنّه لا يتحرّز من غيرها كالرّبا وما إليه، فيتورّط المسلم بمشاركته في كلّ ما لا يحلّ‏.‏

ويرى الشّافعيّة كراهة الشّركة بين المسلم والكافر‏.‏

وأمّا المالكيّة والحنابلة، فنفوا الكراهة بشرط أن لا يتصرّف الكافر إلاّ بحضور شريكه المسلم، لأنّ ارتكابه المحظورات الشّرعيّة في تصرّفاته للشّركة يؤمن حينئذ‏.‏ ثمّ ما لا يحضره منها شريكه المسلم، وتبيّن وقوعه على غير وجهه من الوجهة الإسلاميّة - كعقود الرّبا، وشراء الخمر والميتة - فقد نصّ الحنابلة على أنّه - مع فساده - يكون فيه الضّمان على الكافر‏.‏ وما لم يتبيّن فالأصل فيه الحلّ‏.‏

واحتجّوا للجواز بأنّه صلوات الله عليه عامل أهل خيبر - وهم يهود - بنصف ما يخرج منها وهذه شركة، وابتاع طعاماً من يهوديّ بالمدينة، ورهنه درعه، ومات وهي مرهونة، وهذه معاملة‏.‏

ولا يبدو في كلام المالكيّة خلاف عن هذا، إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ إذا شكّ الشّريك المسلم في عمل شريكه الكافر بالرّبا استحبّ له التّصدّق بالرّبح، وإذا شكّ في عمله بالخمر استحبّ له التّصدّق بالجميع‏.‏

ثالثاً‏:‏ أن لا يشترط العمل على أحد الشّريكين‏:‏

42 - فلو شرط العمل على أحد المتفاوضين بطلت الشّركة عند الحنفيّة‏.‏ لأنّ هذا تصريح بما ينافي طبيعة المفاوضة من المساواة فيما يمكن الاشتراك فيه من أصول التّصرّفات‏.‏

وللمالكيّة شيء قريب من هذا، إذ شرطوا - في شركة الأموال مطلقاً - أن يكون العمل بقدر المالين، أي عمل كلّ واحد من الشّريكين بقدر ماله‏:‏ إن كان له النّصف في رأس المال فعليه النّصف في العمل، أو الثّلثان فعليه الثّلثان، وهكذا بحيث إذا شرط خلاف ذلك‏:‏ كأن جعل ثلثا العمل أو ثلثه على الشّريك بالنّصف، كانت الشّركة فاسدةً، والرّبح على قدر المالين، ويرجع كلّ من الشّريكين على الآخر بما يستحقّه عنده من أجرة‏.‏ أمّا إذا وقعت الزّيادة في العمل تبرّعاً من أحد الشّريكين دون أن تكون مشروطةً عليه، فلا بأس، إذ ذلك تفضّل منه وإحسان‏.‏

شروط خاصّة بشركة الأموال مطلقاً

أي سواء كانت شركة مفاوضة أم شركة عنان‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ أن يكون رأس المال عيناً، لا ديناً

43 - لأنّ التّجارة الّتي بها يحصل مقصود الشّركة وهو الرّبح، لا تكون بالدّين‏.‏ فجعله رأس مال الشّركة مناف لمقصودها‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون المال من الأثمان

44 - سواء أكان من النّقدين، أعني الذّهب والفضّة المضروبين، أم الفلوس النّافقة أم الذّهب والفضّة غير المضروبين‏.‏ إذا جرى بها التّعامل وعلى هذا استقرّ الفقه الحنفيّ‏.‏

والعروض كلّها - وهي ما عدا النّقدين من الأعيان - لا تصلح رأس مال شركة ولا حصّة فيه لشريك‏.‏ ولو كانت مكيلاً أو موزوناً أو عدديّاً متقارباً، في ظاهر الرّواية عن أبي حنيفة، ومعه أبو يوسف وبعض الحنابلة‏.‏

وذهب محمّد وجماهير الشّافعيّة إلى التّفرقة بين نوعين من العروض‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ المكيل والموزون والعدديّ المتقارب‏.‏

والثّاني‏:‏ سائر العروض‏.‏

وبعبارة أخرى‏:‏ فرّقوا بين المثليّ والمتقوّم، فمنعوا انعقاد الشّركة في النّوع الثّاني بإطلاق، وأجازوها في النّوع الأوّل، بعد الخلط مع اتّحاد الجنس، ذهاباً إلى أنّ هذا النّوع ليس من العروض المحضة، وإنّما هو عرض من وجه - لأنّه يتعيّن بالتّعيين، ثمن من وجه - لأنّه يصحّ الشّراء به ديناً في الذّمّة، شأن الأثمان، فناسب أن يعمل فيه بكلا الشّبهين، كلّ في حال، فأعمل الشّبه بالعروض قبل الخلط، ومنع انعقاد الشّركة فيه حينئذ، والشّبه بالأثمان بعده، فصحّحت إذ ذاك الشّركة فيه، لأنّ شركة الملك تتحقّق بالخلط، فيعتضد بها جانب شركة العقد، وإنّما قصر التّصحيح على حالة اتّحاد الجنس، لأنّ الخلط بغير الجنس - كخلط القمح بالشّعير، والزّيت بالسّمن - يخرج المثليّ عن مثليّته، وهذا يؤدّي إلى جهالة الأصل والرّبح والمنازعة عند القسمة، لمكان الحاجة إلى تقويمه إذ ذاك لمعرفة مقداره والتّقويم حزر وتخمين، ويختلف باختلاف المقوّمين، بخلاف المثليّ فإنّه يحصل مثله‏.‏

وذهب أكثر الحنابلة وبعض الشّافعيّة إلى اشتراط أن يكون رأس المال من النّقد المضروب‏.‏ بأيّة سكّة، ويصرّح ابن قدامة من الحنابلة بأن لا تسامح في شيء من الغشّ إلاّ أن يكون في حدود القدر الضّروريّ الّذي لا غنى لصناعة النّقد عنه‏.‏

وأمّا المالكيّة‏:‏ فتصحّ الشّركة عندهم إذا أخرج كلّ واحد من الشّركاء ذهباً أو فضّةً‏.‏

كما تصحّ إذا أخرج أحدهما ذهباً وفضّةً وأخرج الثّاني مثل ذلك‏.‏

وتصحّ أيضاً عندهم بعين من جانب وعرض من الآخر، أو بعرض من كلّ منهما سواء اتّفقا في الجنس أو اختلفا‏.‏

ولا تصحّ عندهم بذهب من أحد الجانبين وفضّة من الجانب الآخر، ولو عجّل كلّ منهما ما أخرجه لصاحبه، وذلك لاجتماع شركة وصرف، ولا تصحّ بطعامين وإن اتّفقا في القدر والصّفة‏.‏ وذهب ابن أبي ليلى إلى تصحيح الشّركة بالعروض مطلقاً، ويعتمد في القسمة قيمتها عند العقد‏.‏ وهي رواية عن أحمد، اعتمدها من أصحابه أبو بكر وأبو الخطّاب، إذ ليس في تصحيحها بالعروض على هذا النّحو إخلال بمقصود الشّركة، فليس مقصودها إلاّ جواز تصرّف الشّريكين في المالين، ثمّ اقتسام الرّبح، وهذا كما يكون بالأثمان، يكون بغيرها‏.‏

واستأنسوا لذلك باعتبار قيمة عروض التّجارة عند تقدير نصاب زكاتها‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ أن يكون رأس المال حاضراً

45 - اشترط الحنفيّة أن يكون رأس المال حاضراً، قال الكاسانيّ‏:‏ إنّما يشترط الحضور عند الشّراء لا عند العقد لأنّ هذا كاف في حصول المقصود، وهو الاتّجار ابتغاء الرّبح، ولذا فالّذي يدفع ألفاً إلى آخر، على أن يضمّ إليها مثلها، ويتّجر ويكون الرّبح بينهما، يكون قد عاقده عقد شركة صحيحة، إذا فعل الآخر ذلك، وإن كان هذا الآخر لا يستطيع إشراكه في الخسارة إلاّ إذا أقام البيّنة على أنّه فعل ما اتّفقا عليه‏.‏

هكذا قرّره الكاسانيّ، والكمال بن الهمام، وجاراهما ابن عابدين وعبارة الهنديّة، عن الخانيّة وخزانة المفتين، أنّ الشّرط هو أن يكون المال حاضراً عند العقد أو عند الشّراء‏.‏

فلا تصحّ الشّركة بمال غائب في الحالين‏:‏ عند العقد وعند الشّراء‏.‏

واشترط الحنابلة حضور المالين عند العقد قياساً لذلك على المضاربة، ويرون أنّ حضور المالين عند العقد هو الّذي يقرّر معنى الشّركة، إذ يتيح الشّروع في تصريف أعمالها على الفور، ولا يتراخى بمقصودها، لكنّهم يقولون إذا عقدت الشّركة بمال غائب أو دين في الذّمّة، وأحضر المال وشرع الشّريكان في التّصرّف فيه تصرّف الشّركاء، فإنّ الشّركة تنعقد بهذا التّصرّف نفسه‏.‏

أمّا المالكيّة فقد فسّر الخرشيّ كلام خليل بما يفيد اشتراط حضور رأس المال، أو ما هو بمثابة حضوره، إلاّ أنّه قصر ذلك على رأس مال هو نقد‏:‏ فذكر أنّه إذا غاب نقد أحد الشّريكين، فإنّ الشّركة لا تصحّ، إلاّ إن كانت غيبته قريبةً، ومع ذلك لم يقع الاتّفاق على البدء في أعمال التّجارة قبل حضوره‏.‏

فإذا كانت غيبته بعيدةً، أو قريبةً واتّفق على الشّروع في التّجارة قبل حضوره، أو غاب النّقدان كلاهما - نقدا الشّريكين - ولو غيبةً قريبةً، فإنّ الشّركة حينئذ لا تكون صحيحةً، ومنهم من حدّ البعد بمسيرة أربعة أيّام، ومنهم من حدّه بمسيرة عشرة أيّام، واستقرّ به الخرشيّ‏.‏ ولكنّ الخرشيّ أشار إلى تفسير آخر، يجعل هذا الشّرط شرط لزوم، لا شرط صحّة‏.‏

الشّرط الرّابع‏:‏الخلط

46 - لا يشترط الحنفيّة ولا الحنابلة في شركة الأموال خلط المالين‏.‏

أمّا المالكيّة، فالصّواب أنّه عندهم ليس بشرط صحّة أصلاً، بل ولا بشرط لزوم عند ابن القاسم ومعه أكثرهم، لأنّ الشّركة تلزم عندهم - خلافاً لابن رشد - بمجرّد العقد، أي بمجرّد تمام الصّيغة، ولو بلفظ‏:‏ ‏"‏ اشتركنا ‏"‏ أو ما يدلّ على هذا المعنى أيّة دلالة‏:‏ قوليّةً أو فعليّةً‏.‏ وإنّما هو شرط ضمان المال على الشّريكين‏:‏ فما تلف قبله، إنّما يتلف من ضمان صاحبه‏.‏ والشّركة ماضية في الباقي، فما اشتري به فللشّركة وفق شروط عقدها، إلاّ أن يكون صاحب المال الباقي هو الّذي اشتراه بعد علمه بتلف مال شريكه، ولم يرد شريكه مشاركته، أو ادّعى هو أنّه إنّما اشتراه لنفسه، فإنّه يكون لشاريه خاصّةً، على أنّ شرط الخلط عند المالكيّة خاصّ بالمثليّات أمّا العروض القيميّة، فلا يتوقّف ضمانها على خلطها، كما أنّ الخلط، ليس حتماً أن يكون حقيقيّاً بحيث لا يتميّز المالان، فيما قرّره ابن القاسم، وجرى عليه الأكثرون، بل يكفي الخلط الحكميّ‏:‏ بأن يجعل المالان في حوز شخص واحد، أو في حوز الشّريكين معاً، كأن يوضع المالان منفصلين في دكّان وبيد واحد من الشّريكين مفتاح له أو يوضع كلّ مال في حافظة على حدة، وتسلّم الحافظتان إلى أحد الشّريكين أو إلى صرّاف محلّهما أو أيّ أمين يختارانه‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ إذا لم يخلط المالان فلا شركة‏.‏ وكذلك إذا خلطا وبقيا متميّزين، لاختلاف الجنس كنقود بلدين بسكّتين أو نقود ذهبيّة وفضّيّة، أو الوصف كنقود قديمة وجديدة لأنّ بقاء التّمايز يجعل الخلط كلا خلط‏.‏ وإذن يكون لكلّ واحد من والشّريكين ربح ماله ووضيعته، أي خسارته، وإذا هلك أحد المالين قبل الخلط هلك من ضمان صاحبه فحسب، ولا رجوع له على الآخر بشيء، وهم لا يعتدّون بالخلط بعد العقد، وإن كان منهم من يتسامح إذا وقع الخلط بعد العقد قبل انفضاض مجلسه‏:‏ فيحتاج الشّريكان إلى تجديد الإذن في التّصرّف بعد الخلط المتراخي ومن البيّن بنفسه أنّ المال يرثه اثنان أو يشتريانه أو يوهب لهما، يكون بطبيعته مخلوطاً أبلغ خلط، ولو كان من العروض القيميّة‏.‏

شروط خاصّة بشركة المفاوضة في الأموال

وهي شروط إذا اختلّت كانت الشّركة عناناً‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ اشترط الحنفيّة المساواة في رأس المال

47 - ويعتبر ابتداءً وانتهاءً فلا بدّ من قيام المساواة ما دامت الشّركة في رأس المال قائمةً كألف دينار من هذا، وألف دينار من ذاك، لأنّ الشّركة عقد غير لازم، لكلّ من الشّريكين فسخه متى شاء، فصارت كالمتجدّدة كلّ ساعة، والتحق استمرارها بابتدائها في اشتراط المساواة بمقتضى اسمها ‏"‏ مفاوضة ‏"‏ فإذا اتّفق، بعد عقد الشّركة على التّساوي، أن ملك أحد الشّريكين، بإرث أو غيره ولو صدقةً، ما تصحّ فيه الشّركة - وهو الأثمان - وقبضه، فإنّ المفاوضة تبطل، وتنقلب عناناً لفوات المساواة‏.‏ أمّا إذا ملك ما لا تصحّ فيه الشّركة كالعروض، عقاريّةً أو غيرها، وكالدّيون فإنّ هذا لا ينافي المساواة فيما يصلح رأس مال للشّركة، فلا ينافي استمرار المفاوضة إلاّ إذا قبض الدّيون أثماناً فحينئذ تحصل المنافاة وتبطل المفاوضة‏.‏ وتتحوّل عناناً‏.‏

ولا يخلّ بهذه المساواة - في أشهر الرّوايتين عن أبي حنيفة - اختلاف النّوع‏:‏ كنقود ذهبيّة لهذا وفضّيّة لذاك، إذا استويا في القيمة، فإذا زادت قيمة حصّة أحدهما خرجت الشّركة عن المفاوضة إلى العنان، إلاّ أن تكون الزّيادة قد طرأت بعد الشّراء بالحصّتين، أو إحداهما‏.‏

لأنّ الشّركة في الحالة الأولى‏:‏ قد انتقلت من رأس المال إلى ما اشتري به، فلم يجتمع في رأس المال شركة وتفاوت، وفي الحالة الثّانية تكون الحصّة الباقية كأنّها بينهما، لأنّ نصف ثمن ما اشتري مستحقّ على صاحبها، وقلّما يتّفق الشّراء بالحصّتين جميعاً، فاقتضى الاستحسان، تفادياً للحرج، إلحاقها بالحالة الأولى، وإن كان القياس فساد المفاوضة فيها‏.‏

وقد تقدّم أنّ المالكيّة والحنابلة لا يشترطون المساواة بين الشّريكين في رأس المال لصحّة المفاوضة‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ شمول رأس المال لكلّ ما يصلح له من مال الشّريكين

48 - وقد تقدّم أنّ الأثمان وحدها هي الصّالحة لذلك عند الحنفيّة، إذا كانت عيناً لا ديناً، حاضرةً لا غائبةً - سواء أكانت أثماناً بأصل الخلقة أم بجريان التّعامل‏.‏

فإذا كان لأحد الشّريكين شيء من ذلك آثر بقاءه خارج رأس المال - ولو لم يكن بيده، كأن كان وديعةً عند غيره - فالشّركة عنان، لا مفاوضة لعدم صدق اسمها إذ ذاك‏.‏

أمّا ما خرج عن هذا النّمط، فلا يضير المفاوضة أن يختصّ أحد الشّريكين منه بما شاء لأنّه لا يقبل الشّركة، فأشبه اختصاص أحدهما بزوجة أو أولاد، فليحتفظ لنفسه بما أحبّ من العروض ‏"‏ بالمعنى الشّامل للمثليّ - على ما فيه من نزاع محمّد - والعقار ‏"‏، أو الدّيون أو النّقود الغائبة - ما دامت كذلك - فإذا قبض الدّين نقوداً، أو حضرت النّقود الغائبة، تحوّلت المفاوضة إلى عنان، لما تقدّم من اشتراط استمرار المساواة‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ إطلاق التّصرّف لكلّ شريك في جميع أنواع التّجارة

49 - وهو شرط عند الحنفيّة‏.‏ فيتّجر كلّ شريك في أيّ نوع أراد، قلّ أو كثر، سهل أو عسر، رخص أو غلا‏.‏ حتّى لو أنّ الشّريكين تشارطا على أن يتقيّدا هما أو أحدهما ببعض أنواع التّجارات - كأن لا يتّجرا في الحاصلات الزّراعيّة، أو الآلات الميكانيكيّة، أو أن يتّجر أحدهما في هذه دون تلك، والآخر بالعكس - لم تكن الشّركة مفاوضةً، بل عناناً، لأنّ المفاوضة تقتضي تفويض الرّأي في كلّ ما يصلح للاتّجار فيه، وعدم التّقييد بنوع دون نوع، كما صرّح به صاحب الهداية‏.‏

وشرط إطلاق التّصرّف لكلا الشّريكين غير مقرّر عند المالكيّة والحنابلة، لأنّ المالكيّة ينوّعون المفاوضة إلى عامّة‏:‏ لم تقيّد بنوع من أنواع المتاجر دون نوع، وخاصّة‏:‏ بخلافها‏.‏

كما أنّ الحنابلة يئول كلامهم إلى مثل هذا، لأنّهم - وإن كانوا يقرّون منها نوعاً شاملاً لجميع أنواع التّصرّفات - فإنّهم يقرّرون نوعاً آخر يمكن أن يقيّد فيه الشّركاء بعضهم بعضاً بقيود بعينها‏.‏

شروط خاصّة بشركة الأعمال

الشّرط الأوّل‏:‏ أن يكون محلّها عملاً

50 - لأنّ العمل هو رأس المال في شركة الأعمال، فإذا لم يكن من أحد الشّريكين عمل، لم تصحّ الشّركة‏.‏ ولكن يكفي لتحقّق هذا العمل أن يتعاقدا على التّقبّل‏:‏ سواء أجعلا التّقبّل لكليهما أم لأحدهما عمليّاً، وإن كان للآخر أيضاً نظريّاً أي من حقّه - بمقتضى عقد الشّركة - أن يتقبّل الأعمال المتّفق على تقبّل نوعها - إذ كلّ شريك بمقتضى عقد الشّركة وكيل عن شريكه في هذا التّقبّل، وإن لم يحسن العمل المتقبّل - لكنّه، لأمر ما، ترك التّقبّل لشريكه، فربّما كان ذلك أجدى على الشّركة والشّريكين‏.‏ حتّى لو أنّه شاء بعد هذا التّرك، أن يمارس حقّه في التّقبّل، لم يكن لشريكه أن يمنعه، فإذا تقبّل العمل أحد الشّريكين بعد قيام الشّركة وقام به وحده - كأن تقبّل الثّوب للخياطة، وقطعه وخاطه - فالأجر بينه وبين شريكه مناصفةً، إن كانت الشّركة مفاوضةً، وعلى ما اتّفقا إن كانت عناناً‏.‏ ذلك أنّ التّقبّل وقع عنهما - إذ شطره عن الشّريك الآخر بطريق الوكالة - وصار العمل مضموناً عليهما بعد التّقبّل‏:‏ فانفراد أحدهما به إعانة متبرّع بها بالنّسبة لما كان منه على شريكه، والخراج بالضّمان‏.‏

ومن أمثلة الشّركة الفاسدة الّتي خلت من عمل أحد الشّريكين‏:‏ شركة قصارة يتّفق فيها الشّريكان أن يقدّم أحدهما آلة القصارة، ويقوم الآخر بالعمل كلّه‏:‏ تقبّلاً وإنجازاً، ولا شأن للأوّل بعد، إلاّ في اقتسام الرّبح‏.‏ ولفساد هذه الشّركة، تكون الأجرة للعامل، لأنّها استحقّت بعمله، وعليه لصاحب الآلة أجرة مثل آلته‏.‏

وقد نصّ الحنفيّة على فساد هذه الصّورة مع تصريحهم - كالحنابلة - بصحّة شركة القصارة - وغيرها من سائر الصّناعات - على أن يعمل الشّريكان بآلة أحدهما، في بيت الآخر، وتكون الأجرة بينهما، لأنّها بدل عن العمل، لا عن آلته ومكانه، وكلّ ما في الأمر، أنّ أحدهما أعان متبرّعاً بنصف الآلة، وأعان الآخر بنصف المكان، نعم إن فسدت الشّركة قسم ما حصل لهما على قدر أجر عملهما، وأجر الدّار والآلة ونحوهما ممّا قدّمه كلّ شريك، نصّ عليه الحنابلة‏.‏ 51 - وكون الشّريك في شركة الأعمال، يستحقّ حصّته في الرّبح، ولو لم يعمل، هو مبدأ مقرّر أيضاً عند الحنابلة‏.‏

على أنّ منهم - كابن قدامة - من يبدي احتمال أن يحرم من حصّته في الرّبح من يترك العمل بلا عذر، لإخلاله بما شرط على نفسه‏.‏

وممّا قرّره المالكيّة - وإن لم يصرّحوا بأنّ فيه فسخاً للشّركة - أنّ الشّريك يختصّ بما يتقبّله من أعمال الشّركة - بعد طول مرض شريكه، أو طول غيبته - ضماناً، وعملاً، وأجرة عمل‏.‏ بخلاف ما تقبّله في حضوره صحيحاً أو بعد غيبته أو مرضه لفترة وجيزة‏.‏

52 - أمّا الآلة، فإنّ المالكيّة يعتبرونها متمّمةً للعمل‏.‏ فلا بدّ أن تكون مساويةً لحصّة الشّريك في العمل‏:‏ بحيث لا يجوز أن يشرط عليه تقديم ثلثي الآلة على حين أنّ حصّته في العمل هي الثّلث أو النّصف، دون أن يحسب حساب هذه الزّيادة في صلب العقد، فإنّ ذلك يفسد الشّركة للتّفاوت بين الرّبح والعمل نظراً إلى تكملة الاعتباريّة، وإن كان يمكن التّجاوز عن فرق يسير يتبرّع به في العقد، أمّا التّبرّع بعد العقد، فلا حدّ له‏.‏ فكيف إذا قدّم أحد الشّريكين آلة العمل كلّها مجّاناً في العقد‏؟‏ على أنّ غير سحنون وصحبه – من المالكيّة – لا يكتفون بهذا‏.‏ بل يشترطون أن تكون الآلة بين الشّريكين شركة ملك – إمّا ملك عين، أو ملك منفعة، أو ملك عين من جانب وملك منفعة من الآخر – كما إذا كانت ملكاً لأحدهما ولكنّه أجّر لشريكه حصّةً منها تساوي حصّته في العمل، أو كانت لكلّ منهما آلة هي ملك له خاصّ، إلاّ أنّهما تكاريا بعض هذه ببعض تلك في حدود النّسبة المطلوبة‏.‏ بل إنّ ابن القاسم ليحتّم أن يكونا في ضمان الآلة سواءً، فلا يسوغ أن تكون بينهما بملك رقبة لأحدهما، وملك منفعة للآخر‏.‏

وأكثر الحنابلة يوافقون على الحكم بالفساد في حالة اشتراط العمل على واحد منهم بعينه‏.‏ لكن اختار ابن قدامة الصّحّة، وقال‏:‏ إنّه قياس نصّ أحمد والأوزاعيّ فيمن دفع دابّته إلى آخر ليعمل عليها والكسب بينهما‏.‏ وجرى عليه ابن تيميّة‏.‏

والشّافعيّة يطلقون القول بالفساد‏:‏ سواء اشترط العمل على الجميع أم على بعض دون بعض، لأنّ هذه أموال متمايزة فلا يمكن أن تجمعها شركة صحيحة‏.‏ فتطبّق أحكام الشّركة الفاسدة‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون العمل المشترك فيه يمكن استحقاقه بعقد الإجارة

53 - كالنّساجة والصّباغة والخياطة وكالصّياغة والحدادة والنّجارة، وكتعليم الكتابة أو الحساب أو الطّبّ أو الهندسة أو العلوم الأدبيّة - وكذلك، على ما أفتى به المتأخّرون استحساناً تعليم القرآن والفقه والحديث وسائر العلوم الشّرعيّة - وإن كان الأصل فيها عدم صحّة الإجارة عليها كسائر القرب‏.‏

أمّا ما لا يستحقّ بعقد الإجارة، فلا تصحّ فيه شركة الأعمال‏.‏ وهذا ينتظم جميع المحظورات الشّرعيّة‏:‏ كالنّياحة على الموتى، والأغاني الخليعة وقراءة القرآن بالأنغام المخلّة بصحّة الأداء - كما ينتظم جميع القرب - عدا ما استثناه المتأخّرون للضّرورة، لئلاّ تضيع العلوم الشّرعيّة، أو تتعطّل الشّعائر الدّينيّة‏:‏ كالإمامة والأذان وتعليم القرآن‏.‏ فلا يصحّ التّعاقد على إنشاء شركة وعّاظ تعظ النّاس وتذكّرهم بالأجرة، وكذلك لا تصحّ شركة الشّهود، لأنّ الشّهادة من محظورات الشّرع إن كانت زوراً، ومن القربات أو الفرائض إن كانت حقّاً، سواء في ذلك التّحمّل والأداء، على ما هو مفصّل في موضعه‏.‏

شرط خاصّ بشركة الوجوه

54 - اشترط الحنفيّة وكذلك القاضي وابن عقيل من الحنابلة‏:‏ أن يكون الرّبح بين الشّريكين بنسبة ضمانهما الثّمن، وضمانهما الثّمن‏:‏ إنّما هو بنسبة حصصهما فيما يشتريانه معاً، أو كلّ على انفراد‏.‏ ومقدار هذه الحصص يتبع الشّرط الّذي وقع التّشارط عليه عند عقد الشّركة‏.‏

فمن الجائز المشروع أن يتعاقدا في شركة الوجوه على أن يكون كلّ ما يشتريانه أو يشتريه أحدهما بينهما مناصفةً، أو على التّفاوت المعلوم أيّما كان، كأن يكون لأحدهما الثّلث أو الرّبع، أو أكثر من ذلك أو أقلّ، وللآخر الثّلثان أو الثّلاثة الأرباع إلخ‏.‏ وإذ كان معلوماً أنّ شركة المفاوضة لا تكون إلاّ على التّساوي في الرّبح عند الحنفيّة، فإنّه يجب هنا أن تكون على التّساوي في حصص المشتري وثمنه أيضاً‏.‏

فإذا شرط لأحد الشّريكين في الرّبح أكثر أو أقلّ ممّا عليه من الضّمان فهو شرط باطل لا أثر له، ويظلّ الرّبح بينهما بنسبة ضمانهما، لأنّه لا يوجد في هذه الشّركة سبب لاستحقاق الرّبح سوى الضّمان، فيتقدّر بقدره‏.‏ ذلك أنّ الرّبح إنّما يستحقّ بالمال أو العمل أو الضّمان، كما سيجيء في الأحكام، ولا مال هنا ولا عمل، فيتعيّن أن يكون الرّبح بسبب الضّمان، وإذن تكون قسمته بحسبه‏.‏ لئلاّ يلزم ربح ما لم يضمن‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّ الرّبح في شركة الوجوه يكون على حسب ما اتّفقا عليه، لأنّ الشّريكين شركة وجوه يتّجران، والتّجارة عمل يتفاوت كيفاً، كما يتفاوت كمّاً، ويختلف باختلاف القائمين به نشاطاً وخبرةً - فالعدالة أن تترك الحرّيّة للمتعاقدين ليقدّرا كلّ حالة بحسبها- حتّى إذا اقتضت التّفاوت في الرّبح، لم يكن عليهما من حرج في التّشارط عليه وفق ما يريان‏.‏ نظيره، لنفس هذا المدرك، شركات العنان الأخرى، والمضاربة، إذ يكفي فيهما أن يكون الرّبح بين مستحقّيه بنسبة معلومة، على التّساوي أو التّفاوت، بالغاً ما بلغ هذا التّفاوت‏.‏

أحكام الشّركة والآثار المترتّبة عليها

أوّلاً‏:‏ أحكام عامّة

أ - الاشتراك في الأصل والغلّة‏:‏

55 - حكم شركة العقد صيرورة المعقود عليه، وما يستفاد به مشتركاً بينهما - أي العاقدين-‏.‏

ب - عدم لزوم العقد‏:‏

56 - وهذا متّفق عليه عند غير المالكيّة‏.‏ فلكلّ واحد من الشّريكين أن يستقلّ بفسخ الشّركة، رضي الآخر أم أبى، حضر أم غاب، كان نقوداً أم عروضاً‏.‏

لكنّ الفسخ لا ينفد عند الحنفيّة إلاّ من حين علم الآخر به، لما فيه من عزله عمّا كان له من التّصرّفات بمقتضى عقد الشّركة، وهو عزل قصديّ آثره الفاسخ باختياره، فلا يسلّط على الإضرار بغيره‏.‏

أمّا الشّافعيّة والحنابلة، فلم يشترطوا علم الشّريك بالفسخ، كما في عزل الوكيل‏.‏

نعم شرط الطّحاويّ، وأيّده الزّيلعيّ من الحنفيّة - ومعهما ابن رشد المالكيّ وحفيده وبعض الحنابلة - أن يكون المال ناضّاً لا عروضاً، وإلاّ فالشّركة باقية، والفسخ لاغ‏.‏ إلاّ أنّ هذا البعض من الحنابلة لا يلغون الفسخ، وإنّما يوقفونه إلى النّضوض، فيظلّ لكلّ من الشّريكين عندهم التّصرّف في مال الشّركة من أجل نضوضه، حتّى يتمّ، وليس لهما أي تصرّف آخر، كالرّهن أو الحوالة أو البيع بغير النّقد الّذي ينضّ به المال‏.‏

ويعدّ من قبيل الفسخ، أن يقول الشّريك لشريكه‏:‏ لا أعمل معك في الشّركة‏.‏ فإذا تصرّف الآخر في مال الشّركة بعد هذا، فهو ضامن لحصّة شريكه في هذا المال عند الفسخ‏:‏ مثلاً في المثليّ، وقيمةً في المتقوّم‏.‏

57 - وبناءً على عدم اشتراط النّضوض، إذا اتّفق أن كان المال عروضاً عندما انتهت الشّركة، فإنّ للشّريكين أن يفعلا ما يريانه‏:‏ من قسمته، أو بيعه وقسمة ثمنه‏.‏ فإن اختلفا، فأراد أحدهما القسمة، وآثر الآخر البيع، أجيب طالب القسمة، لأنّها تحقّق لكلّ منهما ما يستحقّه أصلاً وربحاً، دون حاجة إلى تكلّف مزيد من التّصرّفات‏.‏ ومن هنا يفارق الشّريك المضارب، إذ المضارب إنّما يظهر حقّه بالبيع‏.‏ فإذا طلبه أجيب إليه‏.‏ هكذا قرّره الحنابلة‏.‏

أمّا المالكيّة - عدا ابن رشد وحفيده ومن تابعهما - فعندهم أنّ عقد الشّركة عقد لازم‏.‏

ويستمرّ هذا اللّزوم إلى أن ينضّ المال، أو يتمّ العمل الّذي تقبّل، وقد استظهر بعض الحنابلة القول عندهم أيضاً بلزوم شركة الأعمال بعد التّقبّل‏.‏

ج - يد الشّريك يد أمانة‏:‏

58 - اتّفق الفقهاء على أنّ يد الشّريك يد أمانة بالنّسبة لمال الشّركة، أيّاً كان نوعها‏.‏

لأنّه كالوديعة مال مقبوض بإذن مالكه، لا ليستوفي بدله، ولا يستوثق به‏.‏

والقاعدة في الأمانات أنّها لا تضمن إلاّ بالتّعدّي أو التّقصير، وإذن فما لم يتعدّ الشّريك أو يقصّر، فإنّه لا يضمن حصّة شريكه، ولو ضاع مال الشّركة أو تلف‏.‏

ويصدّق بيمينه في مقدار الرّبح والخسارة، وضياع المال أو تلفه كلاً أو بعضاً، ودعوى دفعه إلى شريكه‏.‏

58 م - ومن النّتائج المترتّبة على أمانة الشّريك، وقبول قوله بيمينه في مقدار الرّبح والخسارة، والذّاهب والمتبقّي، أنّه - كسائر الأمناء، مثل الوصيّ وناظر الوقف - لا يلزمه أن يقدّم حساباً مفصّلاً‏.‏ فحسبه أن يقول على الإجمال‏:‏ لم يبق عندي من رأس مال الشّركة إلاّ كذا، أو تجشّمت من الخسارة كذا، أو لم أصب من الرّبح إلاّ كذا‏.‏ فإن قبل منه فذاك، وإلاّ حلف، ولا مزيد‏.‏

هكذا أفتى قارئ الهداية، وأطلق الفتوى ولكنّهم قيّدوها من النّاحية القضائيّة بما إذا كان الأمين معروفاً بالأمانة في واقع الأمر، وإلاّ فإنّه يطالب بالتّفصيل ويهدّده القاضي إن لم يفعل‏.‏ بيد أنّه إن أصرّ على الإجمال فلا سبيل عليه وراء يمينه‏.‏

وهكذا يقول الشّافعيّة، إذ ينصّون على أنّ الشّريك إذا ادّعيت عليه خيانة فالأصل عدمها‏.‏

ومن التّعدّي‏:‏ مخالفة نهي شريكه، فإنّ كلّ ما للشّريك فعله من كيفيّات التّصرّف إذا نهاه عنه شريكه امتنع عليه، فإذا خالفه ضمن حصّة شريكه، كما لو قال له‏:‏ لا تركب البحر بمال التّجارة، فركب، أو لا تبع إلاّ نقداً، فباع نسيئةً‏.‏

وهذا هو الّذي قرّره الحنابلة‏:‏ إذ يقولون‏:‏ إن لم يكن للشّريك بيع النّسيئة فباعه، كان البيع باطلاً، لأنّه وقع بلا إذن - إلاّ إذا جرينا على أنّ بيع الفضوليّ موقوف، فيكون موقوفاً، وإن كان ظاهر كلام الخرقيّ - منهم الصّحّة مع الضّمان - إلاّ أنّه ضمان الثّمن، بخلافه في قول البطلان، فإنّه ضمان القيمة، ويحتمل أن يكون الضّمان هو ضمان القيمة على كلّ حال، لأنّه لم يفت من المال سواها‏.‏

ومن التّعدّي أن يحمل نصيب شريكه حتّى يموت، فإن مات دون أن يبيّن حال نصيب شريكه‏:‏ هل استوفاه شريكه، أو ضاع، أو تلف بتعدّ، أو بدونه، أم لا‏؟‏ وهل هو عين عنده أم عند غيره أم ديون على النّاس‏؟‏ فإنّه إذن يكون مضموناً عليه في مال تركته، إلاّ إذا عرفه الوارث، وبرهن على معرفته إيّاه، وبيّن بما ينفي ضمانه‏.‏

وهذا هو مفاد قول ابن نجيم في الأشباه‏:‏ ومعنى موته مجهّلاً، أن لا يبيّن حال الأمانة، وكان يعلم أنّ وارثه لا يعلمها‏.‏

وقد عبّر الشّافعيّة والحنابلة عن التّجهيل المذكور بترك الإيصاء‏.‏ لكنّهم فيه أشدّ من الحنفيّة‏:‏ إذ لا يعفي الشّريك من الضّمان عندهم أن يوصي إلى وارثه بما لديه لشريكه، بل لا بدّ أن تكون الوصيّة إلى القاضي، فإن لم يكن فإلى أمين مع الإشهاد عليها‏.‏

أمّا المالكيّة فكالحنفيّة إلاّ أنّهم يسقطون الضّمان بمضيّ عشر سنين، ويقولون يحمل على أنّه ردّ المال، إذا كان أخذه بدون بيّنة توثيق‏.‏

د - استحقاق الرّبح‏:‏

59 - لا يستحقّ الرّبح إلاّ بالمال أو العمل أو الضّمان، فهو يستحقّ بالمال، لأنّه نماؤه فيكون لمالكه‏.‏ ومن هنا استحقّه ربّ المال في ربح المضاربة‏.‏

وهو يستحقّ بالعمل حين يكون العمل سببه‏:‏ كنصيب المضارب في ربح المضاربة، اعتباراً بالإجارة‏.‏

ويستحقّ بالضّمان كما في شركة الوجوه‏.‏

لقوله صلوات اللّه وسلامه عليه‏:‏ » الخراج بالضّمان « أو‏:‏» الغلّة بالضّمان « أي من ضمن شيئاً فله غلّته‏.‏ ولذا ساغ للشّخص أن يتقبّل العمل من الأعمال كخياطة ثوب - ويتعهّد بإنجازه لقاء أجر معلوم ثمّ يتّفق مع آخر على القيام بهذا العمل بأجر أقلّ من الأجر الأوّل، ويربح هو فرق ما بينهما حلالاً طيّباً - لمجرّد أنّه ضمن العمل، دون أن يقوم به‏:‏ وعسى أن لا يكون له مال أصلاً‏.‏

فإذا لم يوجد أحد هذه الأسباب الثّلاثة، الّتي لا يستحقّ الرّبح إلاّ بواحد منها، لم يكن ثمّ سبيل إليه‏.‏ ولذا لا يستقيم أن يقول شخص لآخر‏:‏ تصرّف في مالك على أن يكون الرّبح لي، أو على أن يكون الرّبح بيننا، فإن هذا عبث من العبث عند جميع أهل الفقه، والرّبح كلّه لربّ المال دون مزاحم‏.‏

60 - وفي شركتي الأموال - المفاوضة والعنان - مال وعمل عادةً‏.‏

والرّبح في شركة المفاوضة دائماً على التّساوي كما علمناه‏.‏ أمّا في شركة العنان‏:‏ فالرّبح بحسب المالين، إذا رأى الشّريكان إغفال النّظر إلى العمل، ولهما أن يجعلا لشرط العمل قسطاً من الرّبح يستأثر به - زائداً عمّا يستحقّه في الرّبح بمقتضى حصّته في رأس المال - من شرط عليه أن يعمل في الشّركة، لئلاّ يكون قد استحقّه بلا مال ولا عمل ولا ضمان، سواء أشرط على شريكه أن يعمل أيضاً أم لا، وسواء عمل هو بمقتضى الشّرط أم لا، لأنّ المناط هو اشتراط العمل، لا وجوده‏.‏

ومن هنا كان سائغاً في شركة العنان أن يتساوى المالان ويتفاضل الشّريكان في الرّبح، وأن يتفاضل المالان ويتساوى الرّبحان، على نحو ما وضعنا لا بإطلاق، ولا حين لا يتعرّض لشرط العمل، وإلاّ فالشّرط باطل، والرّبح بحسب المالين‏.‏

أمّا الخسارة فهي أبداً بقدر المالين لأنّها جزء ذاهب من المال، فيتقدّر بقدره‏.‏

وقال صاحب النّهر من الحنفيّة‏:‏ ‏"‏ اعلم أنّهما إذا شرطا العمل عليهما‏:‏ إن تساويا مالاً وتفاوتا ربحاً، جاز عند علمائنا الثّلاثة، خلافاً لزفر، والرّبح بينهما على ما شرطا، وإن عمل أحدهما فقط‏.‏ وإن شرطاه على أحدهما‏:‏ فإن شرطا الرّبح بينهما بقدر رأس مالهما جاز، ويكون مال الّذي لا عمل له بضاعة عند العامل، له ربحه وعليه وضيعته، وإن شرطا الرّبح للعامل - أكثر من رأس ماله - جاز أيضاً على الشّرط‏.‏ ويكون مال الدّافع عند العامل مضاربةً، ولو شرطا الرّبح للدّافع - أكثر من رأس ماله - لا يصحّ الشّرط، ويكون مال الدّافع عند العامل بضاعةً‏:‏ لكلّ واحد منهما ربح ماله والوضيعة بينهما على قدر رأس مالهما أبداً ‏"‏‏.‏

61 - وقاعدة الرّبح عند المالكيّة والشّافعيّة أنّه - كالخسارة - لا بدّ أن يكون بقدر المالين، فلو وقع التّشارط على خلاف ذلك كان العقد نفسه باطلاً‏.‏

أمّا عند الحنابلة‏:‏ فالرّبح بقدر المالين ما لم يشترط خلافه، فيعمل بمقتضى الشّرط‏.‏

وتفرّد بعض متأخّري الحنابلة بموافقة الحنفيّة تمام الموافقة‏:‏ فالرّبح عندهم بقدر المالين إلاّ أن تشترط الزّيادة لعامل فيصحّ الشّرط حينئذ‏.‏

ويضيف المالكيّة اشتراط أن يكون العمل أيضاً بقدر المالين‏.‏ وإلاّ فسدت الشّركة‏:‏ كما لو كانت حصّة أحدهما في رأس المال مائةً، وحصّة الآخر مائتين، وتعاقدا على التّساوي في العمل‏.‏ فإن وضعا هذه الشّركة موضع التّنفيذ، استحقّ الشّريك بالثّلث الرّجوع على الآخر بسدس عمله، أي بأجرة مثل ذلك‏.‏ نعم بعد تمام العقد على الصّحّة يجوز للشّريك أن يتبرّع بشيء من العمل، أو بالعمل كلّه‏.‏

أمّا في المذاهب الأخرى، فهم مصرّحون بأنّ العمل في شركة العنان يصحّ أن يكون من واحد -على معنى أن يأذن أحد الشّريكين للآخر في التّصرّف، دون العكس - فيتصرّف المأذون في جميع مال الشّركة، ولا يتصرّف الآذن إلاّ في مال نفسه - إن شاء - ولا يصحّ أن يشترط عليه عدم التّصرّف في مال نفسه، بل إنّ هذا الشّرط ليبطل العقد نفسه - لما فيه من الحجر على المالك في ملكه - أمّا أن يتعهّد هو بأن لا يعمل ويشرط ذلك على نفسه فالحنابلة يصحّحون اشتراط أن يكون العمل مقصوراً على أحدهما‏:‏ ثمّ إن جعلت له لقاء عمله زيادة في الرّبح عمّا يستحقّه بحصّته في المال، فإنّها تكون شركة عنان ومضاربة، وإن جعل الرّبح بقدر المالين، دون زيادة، لم تكن شركةً، بل تكون إبضاعاً، وإن جعلت الزّيادة لغير العامل، بطل الشّرط في الأصحّ، أي وكانت إبضاعاً أيضاً، كما هو قضيّة كلامهم إلاّ أنّ في كلام ابن قدامة التّصريح بأنّ شركة العنان تقتضي الاشتراك في العمل‏.‏

أحكام مشتركة بين المفاوضة والعنان

62 - أوّلاً‏:‏ صحّتهما مع اختلاف جنس رأس المال ووصفه‏:‏

ومتى اتّفق في تقدير بعض أهل الخبرة تساوي المالين، فهذا كاف لتتحقّق الشّريطة المطلوبة‏.‏ ولا يشترط الحنفيّة في المفاوضة ولا في العنان اتّحاد جنس رأس المال ولا وصفه‏.‏ فتصحّان مع اختلاف جنس المالين - سواء قدّرا على التّساوي أم على التّفاوت، مهما تكن درجة هذا التّفاوت، أم لم يقدّرا عند العقد، وتصحّ بخلاف الجنس‏:‏ كدنانير من أحدهما، ودراهم من الآخر، وبخلاف الوصف‏:‏ كبيض وسود - وإن تفاوتت قيمتها‏.‏

وصرّح المالكيّة باشتراط اتّحاد الجنس دون الوصف، في النّقود خاصّةً، وهذا عند جماهيرهم خلافاً لأشهب وسحنون‏.‏

63 - ثانياً‏:‏ صحّتهما مع عدم خلط المالين‏:‏

وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة خلافاً للشّافعيّة كما تقدّم‏.‏

64 - ثالثاً‏:‏ صحّتهما مع عدم تسليم المالين‏:‏

لا يشترط لصحّة المفاوضة أو العنان، أن يخلّي كلّ شريك بين ماله وشريكه، بخلاف المضاربة، إذ تتوقّف صحّتها على تسليم المال إلى المضارب كما سيجيء‏.‏

65 - رابعاً‏:‏ لكلّ من الشّريكين أن يبيع نقداً ونسيئةً‏:‏

لكلّ من الشّريكين أن يبيع ويشتري مساومةً ومرابحةً وتوليةً ومواضعةً، وكيف رأى المصلحة لأنّ هذا عادة التّجّار، وله أن يقبض المبيع والثّمن ويقبضهما ويخاصم بالدّين ويطالب به ويحيله ويحتال ويردّ بالعيب فيما وليه هو، وفيما ولي صاحبه، وأمّا البيع نسيئةً فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يبيع ويشتري نسيئةً لجريان عادة التّجّار بهذا وذاك كيفما اتّفق، وليس في عقد الشّركة ما يمنع من تحكيم هذه العادة‏.‏ ذلك أنّ ما تضمّنه هذا العقد من الإذن في التّصرّف، وقع مطلقاً، كما هو المفروض‏.‏

ولو تشارطا في عقد الشّركة على أن يبيعا نقداً لا نسيئةً، أو نسيئةً لا نقداً، أو - في شركة العنان - أن يبيع أحدهما نقداً والآخر نسيئةً، كانا على شرطهما‏.‏ بل لو تراضيا على مثل هذه القيود بعد العقد، وجب الالتزام بذلك، وكذا لو نهى أحدهما شريكه - في شركة العنان - أن يبيع على نحو من الأنحاء بعينه - كأن نهاه أن يبيع نسيئةً، أو عن أن يبيع نقداً، لامتنع عليه أن يفعل ما نهي عنه - حتّى لو أنّه خالف، لكان ضامناً حصّة شريكه‏.‏

ولذا أفتى ابن نجيم في الّذي يبيع نسيئةً بعد ما نهاه شريكه، بأنّ بيعه هذا نافذ في حصّة نفسه، موقوف على الإجازة في حصّة شريكه‏:‏ بحيث يبطل إن لم يجز‏.‏ أي ثمّ يكون في الفوات الضّمان‏.‏

وعلى وزان البيع نقداً ونسيئةً، يقال في الشّراء نقداً ونسيئةً، فإنّهما لا يختلفان من هذه النّاحية، وإن اختلفا من ناحية أخرى‏:‏ إذ إنّه في المفاوضة يكون الشّراء دائماً للشّركة - فيما عدا الحاجات الخاصّة لكلا الشّريكين - أمّا في شركة العنان، فليس هو كذلك دائماً، كما سيجيء‏.‏

نعم في فتاوى قاضي خان‏:‏ أنّه لو اشترى أحد شريكي المفاوضة طعاماً نسيئةً - أي بثمن مؤجّل - فإنّ الثّمن يكون عليهما، بخلاف ما لو فعل ذلك أحد شريكي العنان - إذ يكون الثّمن عليه خاصّةً، وأنّه لو باع أحد شريكي المفاوضة طعامه بعقد سلم، فإنّه يكون عقداً جائزاً على شريكه‏.‏

والمالكيّة والحنابلة كالحنفيّة، في أنّ لكلّ شريك أن يبيع ويشتري نقداً ونسيئةً، إلاّ أنّهم لا يفرّقون بين مفاوضة وعنان‏.‏

وذهب الشّافعيّة وبعض الحنابلة إلى عدم جواز البيع نسيئةً، لما فيه من الغرر، وتعريض أموال الشّركة للضّياع - ما لم يأذن سائر الشّركاء وأقوى الاحتمالين عند الشّافعيّة، إذا وقع الإذن في مطلق نسيئة أو بصيغة عموم‏:‏ كبع كيف شئت - أن يحمل على الأجل المتعارف، لا غيره كعشر سنين‏.‏

66 - خامساً‏:‏ ذهب الحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يوكّل في البيع والشّراء وسائر التّصرّفات‏:‏ كاستئجار أجير أو دابّة أو عربة أو صانع أو بيطار لشيء من تجارتهما، وكالإنفاق في مصالح الشّركة‏.‏ على أنّه يجوز للشّريك الآخر أن يعزل الوكيل الّذي وكّله شريكه، متى ما شاء، شأن وكيل الوكيل‏.‏

وذهب الشّافعيّة وأكثر الحنابلة إلى أنّه ليس للشّريك حقّ التّوكيل بدون إذن شريكه، لأنّه إنّما ارتضى تصرّفه هو‏.‏ وقاعدتهم‏:‏ ‏"‏ أنّ من لا يعمل إلاّ بإذن لا يوكّل إلاّ بإذن ‏"‏‏.‏

67 - سادساً‏:‏ لكلّ من الشّريكين أن يستأجر من يعمل للشّركة‏:‏ سواء في إصلاح مالها - كعلاج دوابّها، وتركيب آلاتها - أم في حراسته وحفظه، أم في الاتّجار به، أم في غير ذلك، ويمضي ذلك على شريكه، لأنّ عادة التّجّار قد جرت بالاستئجار في كلّ ما يعود نفعه على تجاراتهم‏.‏

68 - سابعاً‏:‏ الشّريك الّذي يؤجّر نفسه لمن تكون أجرته‏؟‏ تكون أجرته للشّركة، ما لم يكن قد أجّر نفسه للخدمة، فحينئذ تكون به خاصّةً‏.‏ وكالخدمة في العنان ما هو بمعناها‏.‏

أمّا بالنّسبة لشركة المفاوضة، فهذا هو صريح ما نقلوه عن التتارخانية - إذ تقول‏:‏ ‏"‏ ولو أجّر أحد المتفاوضين نفسه، لحفظ شيء، أو خياطة ثوب، أو عمل من الأعمال، فالأجر بينهما‏.‏ وكذلك كلّ كسب اكتسبه أحدهما، فالأجر بينهما‏.‏ ولو آجر نفسه للخدمة‏.‏ فالأجر له خاصّةً، وهو مأخوذ من البدائع، وقد علّل الكاسانيّ استثناء الخدمة بأنّ‏:‏ الشّريك فيها إنّما يملك التّقبّل على نفسه، دون شريكه، بخلافه فيما عداها - فإذا التزم بالخدمة وقام بها، فقد وفّى بما لزمه خاصّةً، فتكون الأجرة كذلك له خاصّةً، وإذا تقبّل عملاً ما غير الخدمة، والتزم به، فإنّ هذا التّقبّل والالتزام يكون على كلا الشّريكين، لأنّه يقبل الشّركة - فإذا انفرد أحدهما بالعمل الملتزم، وقع العمل عنهما‏:‏ وكان الّذي عمل متبرّعاً بحصّة شريكه فيه، فتكون الأجرة بينهما ‏"‏‏.‏

وليس لشريك المفاوضة ولا لشريك العنان، أن يؤجّر نفسه لعمل من أعمال تجارتهما، ثمّ يختصّ بأجرته - إلاّ أن يؤذن له في ذلك إذناً صريحاً، لأنّه لا يملك أن يغيّر مقتضى الشّركة، دون صريح الرّضا من شريكه - كما قرّره الكمال بن الهمام وغيره‏.‏

والمقرّر عند المالكيّة والحنابلة، أنّ الشّريك يختصّ بأجرة عمله خارج الشّركة، ولو كان من جنس عملها - كما لو أخذ مالاً يضارب به في نفس نوع تجارة الشّركة ‏"‏ المنسوجات مثلاً ‏"‏ غاية ما هناك، أنّه إذا شغل بذلك عن العمل في الشّركة، فلا بدّ من إذن شريكه - حتّى يكون هذا الإذن بمثابة التّبرّع له بعمله ذاك‏.‏ وإلاّ كان لهذا الشّريك أن يرجع عليه بأجرة مثل ما عمل عنه‏.‏

69 - ثامناً‏:‏ ذهب الحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يدفع مال الشّركة إلى أجنبيّ مضاربةً، لأنّ المضاربة أضعف من الشّركة، والأقوى يستتبع الأضعف‏.‏ وإنّما كانت المضاربة أضعف‏.‏ لأنّ الخسارة فيها يختصّ بها ربّ المال، وهي في الشّركة على الشّريكين بقدر المالين، وفي المضاربة الفاسدة ليس للمضارب شيء من الرّبح، أمّا في الشّركة الفاسدة فالرّبح بين الشّريكين بقدر ماليهما، ثمّ مقتضى الشّركة الاشتراك في الأصل والرّبح، ومقتضى المضاربة الاشتراك في الرّبح دون الأصل‏.‏

إلاّ أنّ المالكيّة يزيدون لجواز المضاربة قيد اتّساع المال‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة الّذين لا يجيزون للشّريك التّوكيل والاستئجار للتّجارة بدون إذن شريكه إلى منعه من دفع مال الشّركة إلى أجنبيّ مضاربةً‏.‏

70 - تاسعاً‏:‏ ذهب الحنفيّة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يودع مال الشّركة، لأنّ له أن يتركه في عهدة حارس يستأجره لحفظه، فلأن يكون له ذلك بدون أجر أجدر وأولى‏.‏ على أنّ الإيداع من مصالح التّجارة، إذ تتّقى به السّرقات، وأخطار الطّريق وغير الطّريق‏.‏

أمّا غير الحنفيّة، فلا يرون للشّريك أن يودع، إلاّ إذا دعت إلى ذلك حاجة به، إذ المال قد يضيع بالإيداع‏.‏ حتّى لو أنّه أودع من غير حاجة، فضاع المال ضمنه‏.‏

71 - عاشراً‏:‏ ذهب أبو حنيفة ومحمّد والحنابلة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يسافر بمال الشّركة دون إذن شريكه إذا أمن الطّريق لأنّ المفروض أنّ الشّركة أطلقت، ولم تقيّد بمكان‏.‏ فالإذن بالتّصرّف الصّادر في ضمنها لكلّ شريك هو على هذا الإطلاق، إذ لا يخرج المطلق عن إطلاقه إلاّ بدليل، ولا دليل، ويستوي بعد ذلك أن يكون السّفر قريب الشّقّة أو بعيدها، وأن يكون المال خفيف المحمل أو ثقيله، على خلاف في كلّ من هذا وذاك‏.‏

وذهب الشّافعيّة وأبو يوسف إلى أنّه ليس للشّريك أن يسافر بمال الشّركة إلاّ بإذن صريح أو عرفيّ أو ضرورة‏.‏ ومن الإذن العرفيّ، ما لو عقدت الشّركة على ظهر سفينة، ثمّ استمرّت الرّحلة إلى المقصد‏.‏ ومن الضّرورة، جلاء أهل البلد عنه لكارثة، أو فراراً من زحف العدوّ القاهر‏.‏ فإذا خالف الشّريك، فسافر سفراً غير مسموح به، كان عليه ضمان حصّة شريكه - لو ضاع المال - لكنّه لو باع شيئاً مضى بيعه‏:‏ دون أيّ تناف بين هذا، وبين ثبوت ضمانه‏.‏ وكذا المالكيّة في شركة العنان‏.‏ أمّا شريك المفاوضة فليس مقيّداً إلاّ برعاية المصلحة‏.‏

72 - حادي عشر‏:‏ يرى الحنفيّة أنّ لكلّ من الشّريكين أن يقايل فيما بيع من مال الشّركة‏:‏ سواء أكان هو البائع أم شريكه‏.‏ لأنّ الإقالة شراء في المعنى، وهو يملك شراء ما باعه، أو باعه شريكه‏.‏

وهذا أيضاً هو مذهب المالكيّة، والمعتمد عند الحنابلة - ولو بناءً على أنّ الإقالة فسخ‏:‏ على أحد احتمالين - اعتباراً بالرّدّ بالعيب‏.‏ إلاّ أنّهم قيّدوه بالمصلحة، كما لو خيف عجز المشتري عن الوفاء بالثّمن، أو تبيّن وقوع غبن على الشّركة‏.‏

73 - ثاني عشر‏:‏ ليس لأحد الشّريكين إتلاف مال الشّركة أو التّبرّع به، لأنّ المقصود بالشّركة التّوصّل إلى الرّبح‏.‏ فما لم يكن ثمّة إذن صريح من الشّريك الآخر، لا يملك أحد الشّريكين أن يهب، أو يقرض من مال الشّركة، قليلاً أو كثيراً‏.‏ إذ الهبة محض تبرّع، والإقراض تبرّع ابتداءً، لأنّه إعطاء المال دون تنجّز عوض في الحال‏.‏ فإذا فعل، فلا جواز لفعله على شريكه إلاّ بإذن صريح، وإنّما ينفذ في حصّة نفسه لا غير‏.‏

74 - إلاّ أنّ المتأخّرين أدخلوا بعض المستثنيات على امتناع الهبة‏:‏ إذ أجازوها في اللّحم والخبز والفاكهة، وما يجري هذا المجرى ممّا يتهاداه النّاس، ويتسامحون فيه‏.‏

جاء في الهنديّة‏:‏ ‏"‏ له أن يهدي من مال المفاوضة، ويتّخذ دعوةً منه‏.‏ ولم يقدّر بشيء‏.‏ والصّحيح أنّه منصرف إلى المتعارف‏:‏ وهو ما لا يعدّه التّجّار سرفاً ‏"‏‏.‏

كما أنّهم لم يعتمدوا طريقة أبي يوسف في عدم التّفرقة بين هبة الشّريك الّذي تولّى البيع، لثمن ما باع‏.‏ أو إبرائه منه، وبين هبة الشّريك الآخر أو إبرائه‏.‏ ورأوا خلافاً لأبي يوسف أنّ الّذي تولّى البيع، لو وهب المشتري ثمن ما باعه أو أبرأه منه، نفذ على شريكه، ويرجع عليه شريكه بحصّته، كوكيل البيع إذا فعل ذلك حيث ينفذ، ويرجع عليه موكّله‏.‏

75 - والحكم كذلك عند المالكيّة أيضاً‏.‏ إلاّ أنّهم يقيّدون الإبراء المسموح به بكونه حطّاً من بعض الثّمن، ويطلقونه بعد ذلك، فيستوي أن يقع من متولّي العقد أو من الشّريك الآخر‏.‏ كما أنّهم يضبطون التّبرّعات المسموح بها للشّريك على العموم بما يقرّه العرف وفق ما يتناسب مع المركز الماليّ للشّركة‏.‏ وهذا مبدأ عامّ ينتظم الهدايا، والمآدب، والعواريّ إذا استألف النّاس ترغيباً لهم في التّعامل مع الشّركة‏.‏

وللحنابلة نحو منه‏.‏ إلاّ أنّهم أقلّ توسّعاً في هذا الباب، وأكثر تقيّداً بمراعاة فائدة الشّركة‏.‏

76 - ثالث عشر‏:‏ ليس لأحد الشّريكين أن يؤدّي زكاة مال الآخر إلاّ بإذنه‏:‏ لأنّ العقد بينهما على التّجارة، والزّكاة ليست منها‏.‏ ثمّ إنّها بدون إذن ربّ المال لا تقع الموقع، لعدم صحّتها بدون نيّة، فتلتحق بالتّبرّعات، وهو لا يملك التّبرّع بمال شريكه‏.‏ فإذا أذن له شريكه فذاك‏.‏ 77 - رابع عشر‏:‏ ليس لأحد الشّريكين أن يخلط مال الشّركة بمال له خاصّ دون إذن شريكه‏:‏ لأنّ الخلط يستتبع إيجاب حقوق، وقيوداً على حرّيّة التّصرّف‏.‏ فلا يسلّط أحد الشّريكين عليه، لئلاّ يتجاوز حدود ما رضي به صاحب المال نصّ على ذلك الحنفيّة والحنابلة‏.‏

78 - تنبيه‏:‏ الإذن العامّ من الشّريك - كقوله لشريكه‏:‏ تصرّف كما ترى - يغني غناء الإذن الخاصّ في كلّ ما هو من قبيل ما يقع في التّجارة كالرّهن والارتهان والسّفر، والخلط بالمال الخاصّ، وشركة المال مع أجنبيّ‏.‏ فمن منع شيئاً من ذلك إلاّ بالإذن، كفى فيه عنده الإذن العامّ‏.‏

ولكنّ هذا الإذن العامّ لا غناء فيه بالنّسبة للهبة، والقرض، وكلّ ما يعدّ إتلافاً للمال، أو تمليكاً له بغير عوض‏.‏ بل لا بدّ من الإذن الصّريح في هذا النّوع من التّصرّفات، لينفذ على الشّركة‏.‏ صرّح بهذا الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة

أحكام خاصّة بشركة المفاوضة

79 - تتلخّص هذه الأحكام في أنّ شريكي المفاوضة شخص واحد حكماً في أحكام التّجارة وتوابعها - وإن كانا اثنين حقيقةً - والسّرّ في هذا، أنّ شركة المفاوضة تتضمّن وكالةً وكفالةً، إذ كلّ من الشّريكين فيها وكيل عن الآخر فيما يجب له، وكفيل عنه فيما يجب عليه‏.‏

ويتفرّع على هذا الأصل العامّ، فروع ونتائج شتّى‏:‏

80 - أوّلاً‏:‏ كلّ ما اشتراه أحدهما فهو للشّركة إلاّ حوائجه وحوائج أهله الأساسيّة‏:‏

أمّا أنّ كلّ ما اشتراه فهو للشّركة، فذلك أنّ مقتضى عقد شركة المفاوضة المساواة في كلّ ما يصحّ الاشتراك فيه، وتدخله عقود التّجارة‏.‏ ومن ذلك الإجارة، لأنّها شراء منفعة‏:‏ فما استأجره أحدهما فهو للشّركة أيضاً‏.‏ نصّ على ذلك الحنفيّة‏.‏

وأمّا استثناء الحوائج الأساسيّة، فلأنّ العرف قاض باستثنائها‏.‏ إذ من المعلوم أنّ هذه تبعة تقع على عاتق كلّ شريك لخاصّة نفسه وأهله، دون أن يتحمّل معه شريكه في ذلك غرماً، والمشروط عرفاً، كالمشروط بصريح العبارة‏.‏ فيختصّ بهذه الحوائج الأساسيّة مشتريها - وإن كانت، عند غضّ النّظر عن هذه القرينة، ممّا ينتظمه عقد شركة المفاوضة، إذ هي من نوع ما يتّجر فيه، ويقبل الشّركة‏.‏ ومن الحاجات الأساسيّة - وإن كانت صالحةً للشّركة، إذ شراء المنافع ممّا يقبلها - بيت يستأجر للسّكنى، وعربة أو سفينة أو طائرة أو دابّة تستأجر للرّكوب أو الحمل من أجل المصلحة الخاصّة‏:‏ كالحجّ، وقضاء وقت الإجازات بعيداً عن العمل، وحمل الأمتعة الخاصّة‏.‏

وفرق آخر فإنّ الحاجات الأساسيّة يتحمّل مشتريها ثمنها كلّه، لمكان اختصاصه بها، ولذا، لو أدّى ثمنها من مال الشّركة كان لشريكه أن يرجع عليه بحصّته في هذا الثّمن‏.‏

81 - ويرى متأخّرو المالكيّة أنّ نفقة الشّريك المفاوض الخاصّة به شخصيّاً - من أجل طعامه وشرابه، ولباسه، وتنقّلاته - تلغى مطلقاً، ولا تدخل في الحساب إذا أنفقها من مال الشّركة‏.‏ سواء تساوت حصّتا الشّريكين، ونفقاتهما، وسعر بلديهما - إن اختلفا - أم لا‏.‏ ثمّ علّلوا ذلك بأنّها نفقات يسيرة عادةً، أو داخلة في التّجارة‏.‏

أمّا نفقة أسرة الشّريك فيشترط لإلغاء حسابها أن تتقارب الأسرتان عدد أفراد، ومستوىً اجتماعيّاً، وإلاّ دخلت في الحساب‏:‏ فأيّهما أخذ من مال الشّركة فوق نسبة حصّته، رجع عليه شريكه بحصّته فيما أنفق والشّريك المفاوض مصدّق عند المالكيّة في دعوى الشّراء لنفسه ولعياله‏.‏ فيما يليق، من الطّعام والشّراب والكسوة، دون سائر العروض والعقار‏.‏

82 – ثانياً‏:‏ إقرار الشّريك بدين على شريك المفاوضة‏:‏

ما لزم أحد الشّريكين في المفاوضة من دين التّجارة، أو ما يجري مجراها‏.‏ يلزم الآخر، ويكفي إقراره بالدّين ليترتّب عليه لزومه للمقرّ بمقتضى إقراره، ثمّ لزومه لشريكه بمقتضى كفالته‏.‏ وهذا عند الحنفيّة‏.‏

83 - ونصّ المالكيّة على أنّ ذلك خاصّ بالإقرار بالدّين أثناء قيام الشّركة‏.‏ أمّا في الإقرار بعين - كوديعة ورهن - أو بدين لكن بعد انتهاء الشّركة، فإنّما تلزم المقرّ حصّته من العين أو الدّين، ثمّ هو بالنّسبة لحصّة شريكه مجرّد شاهد‏.‏ وللمقرّ له أن يحلف مع هذا الشّاهد، ويستحقّ حصّة الشّريك أيضاً‏.‏

وعند الحنابلة، في شركة العنان، قول بقبول إقرار الشّريك بالدّين والعين على الشّركة، ما دامت قائمةً، ومنهم من اختاره فيجيء بالأولى في شركة المفاوضة‏.‏

84 - ثالثاً‏:‏ حقوق العقد الّذي يتولاه أحدهما في مال الشّركة، مستوية بالنّسبة إليهما‏.‏ بلا خلاف بين القائلين بالمفاوضة‏.‏

مثال ذلك‏:‏ الرّدّ بالعيب، والرّجوع بالثّمن عند الاستحقاق، والمطالبة بتسليم المبيع أو الثّمن، وقبضهما وإقباضهما‏:‏ سواء كان ذلك كلّه لهما أم عليهما‏.‏ فإذا اشترى أحدهما شيئاً للشّركة، وأراد أن يمارس شيئاً من هذه الحقوق، لقيام سببه، فإنّ ذلك لن يكون مقصوراً عليه، بل لشريكه أن يقوم به أيضاً، وكذلك ما هو في معنى الشّراء‏.‏

والّذي يشتري سلعةً من سلع الشّركة ثمّ يجد بها عيباً، يكون من حقّه أن يردّها على أيّ الشّريكين شاء، وإذا استحقّت عنده لآخر - كأن تبيّن أنّها مغصوبة أو مسروقة - كان له أن يطالب بثمنها، الّذي دفعه، أيّهما شاء ولو لم يكن هو الّذي باشر عقد البيع، أو تولّى قبض الثّمن‏.‏ كما أنّ له عند بداية الصّفقة أن يطالب من شاء منهما بتسليم السّلعة ولو لم يكن هو الّذي باعها‏.‏ ولكلّ منهما أن يقبض الثّمن، ويقوم بالتّسليم المطلوب، أو يقبضه أحدهما ويسلّم الآخر، أو بالعكس، أمّا لو باع أحدهما شيئاً من أشيائه الخاصّة وآجره، فحقوق العقد خاصّة به‏.‏ فليس للّذي يشتري منه مثلاً أن يطالب شريكه بتسليم المبيع، ولا لهذا الشّريك أن يطالب المشتري بالثّمن‏.‏

85 - رابعاً‏:‏ تصرّف المفاوض نافذ عليه وعلى شريكه في كلّ ما يعود على مال الشّركة نفعه‏:‏ سواء أكان من أعمال التّجارة وملحقاتها أم من غير ذلك‏.‏

وهذا الحكم موضع وفاق بين القائلين بالمفاوضة وهم الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّ كلّ تصرّف يجافي المصلحة يقوم به أحد الشّريكين، بلا إذن سابق من شريكه، يتوقّف نفاذه على الشّركة، على إجازته اللاحقة‏.‏ فإن لم يجز، نفذ على المتصرّف وحده، وضمن حقّ شريكه‏.‏ فلو أنّه مثلاً ولّى بأصل الثّمن شخصاً أجنبيّاً صفقةً عقدها هو أو شريكه يقدّر ربحها بخمسين في المائة‏:‏ فإنّ شريكه إن لم يجزه، يرجع عليه بخمسة وعشرين بالمائة - إن كانت الشّركة بالنّصف - لأنّ المحاباة كالتّبرّع‏.‏ إلاّ أن يكون الدّافع إلى هذه المحاباة تألّف عميل ذي خطر لمصلحة الشّركة‏.‏

86 - خامساً‏:‏ بيع المفاوض ممّن تردّ شهادته له صحيح نافذ عند الحنفيّة أي على الشّركة‏.‏ ولا تأثير هنا لتهمة المحاباة، لأنّ المتفاوضين كشخص واحد‏.‏ بخلاف شريكي العنان، فإنّ غايتها أنّ كلاً منهما وكيل عن الآخر، ومواضع التّهمة مستثناة من الوكالات عند أبي حنيفة إلاّ إذا قيل للوكيل‏:‏ عامل من شئت، فيصحّ التّعامل بمثل القيمة‏.‏ ويكتفي الصّاحبان بإيجاب مثل القيمة لتصحيح التّعامل الّذي لم يبلغه، بكلّ حال‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ تصرّف الشّريك المفاوض ينفذ بلا إذن شريكه إذا كان في حدود مصلحة الشّركة فلا بأس لديهم إذن بالبيع في موضع تهمة المحاباة‏.‏ ما دامت المحاباة لم تثبت فعلاً‏.‏

مشاركة المفاوض لشخص ثالث

87 - للمفاوض أن يشارك شركة عنان‏:‏ وينفذ ذلك على شريكه، أحبّ أم كره‏.‏

لأنّ شركة العنان دون شركة المفاوضة، فلا محذور في أن تصحّ في ضمنها، وتقع تبعاً لها، كما صحّت المضاربة تبعاً للشّركة مطلقاً‏:‏ بأن يضارب أحد الشّريكين ثالثاً بمال الشّركة‏.‏ وهذا هو مذهب الصّاحبين‏.‏

ومقتضى تعليله هذا أن لا تصحّ شركة المفاوضة تبعاً لشركة المفاوضة‏:‏ أي ألاّ يصحّ لأحد شريكي المفاوضة - بدون إذن شريكه - أن يفاوض ثالثاً، لأنّ الشّيء لا يستتبع مثله‏.‏ وهذا هو الّذي جرى عليه أبو يوسف‏.‏ واعتمده المتأخّرون، إلاّ أنّهم فسّروا عدم صحّة المفاوضة من المفاوض بأنّها تنعقد عناناً، وما يخصّ الّذي أحدثها - ولو مع من تردّ شهادته له - من ربحها، يكون بينه وبين شريكه الأوّل‏.‏

ولم ير محمّد بن الحسن مانعاً من أن يفاوض المفاوض أمّا أبو حنيفة في رواية الحسن فلم يجعل للمفاوض أن يفاوض، ولا أن يشارك شركة عنان، لأنّه في كليهما تغيير مقتضى العقد الّذي تمّت به الشّركة الأولى، إذ يوجب للشّريك الجديد حقّاً في مال الشّركة لم يكن، وذلك لا يجوز بدون تراضي الشّركاء‏.‏

وظاهر كلام الحنابلة وفاق أبي حنيفة‏.‏

أمّا المالكيّة فقد جعلوا للمفاوض أن يفاوض، أو يعقد أيّة شركة أخرى - في بعض مال الشّركة، لا في جميعه، ولا بدّ أن يكون هذا البعض على التّعيين لا على الشّيوع، كما لو أفرد مائة دينار من مال الشّركة، وجاء الأجنبيّ بمائة دينار مثلها، وجعلا يتّجران في المائتين جميعاً، ولا شأن لهذا الأجنبيّ بسائر مال الشّركة الأولى‏.‏